معاناة التعليم في المواسط بتعز : فساد إداري يهدد مستقبل أجيال قرية “الحاز عصيدة”

رافت الحمادي:

في ظل ظروف إنسانية ومعيشية صعبة، تواجه قرية “الحاز عصيدة” التابعة لعزلة قدس بمديرية المواسط، محافظة تعز، أزمة تعليمية خانقة، ناجمة عن ممارسات إدارية وصفها الأهالي بـ “التعسفية” و”الفاسدة”، والتي تهدد بحرمان أبنائهم من حقهم الأساسي في التعليم. مناشدات الأهالي، التي وصلت إلى “كاتب التقرير”، تكشف عن صورة مؤسفة للفساد الإداري والتواطؤ الذي يمارسه مسؤولون محليون، متجاوزين التوجيهات الصادرة من جهات عليا، ومضعفين بذلك أسس الدولة ومقوضين لمستقبل الأطفال.

رفض الالتحاق بالمدارس واقتحام عنيف

يؤكد أهالي قرية “الحاز عصيدة” أن مدير مكتب التربية والتعليم بالمديرية، عبدالحفيظ المنيفي، يرفض قبول أبنائهم في مدارس المديرية، ضارباً عرض الحائط بالتوجيهات الصادرة من جهات عليا بهذا الخصوص. هذا الرفض الممنهج، وفقاً للأهالي، ليس سوى جزء من حلقة أوسع من الفساد الإداري الذي يضرب المديرية.

الأزمة تفاقمت بتطور خطير، حيث قام المدير العام ورئيس المجلس المحلي للمديرية، أمين شرف الفضلي، برفقة أركان حرب اللواء وعدد من الأفراد، باقتحام ملحقية مدرسة صلاح الدين التابعة للقرية. وقد تم اعتقال المشرف المعين من قبل مكتب التربية بالمحافظة، الأستاذ عبدالله حزام، بالقوة وإجباره على تسليم ختم المدرسة والضغط عليه. هذا الاقتحام، الذي وصفه الأهالي بـ “البلطجة”، جاء رغم التوجيهات الصريحة من مدير مكتب التربية بالمحافظة، الأستاذ عبدالواسع شداد، بضرورة حل المشكلة بشكل قانوني.

معركة التعليم: حرمان ممنهج ومقاومة مجتمعية

ملحقية مدرسة صلاح الدين بالحاز (عصيدة) ظلت مغلقة لأكثر من خمسة عشر عاماً، قبل أن يتم إعادة فتحها مركزياً في العام الدراسي 2023/2024 بجهود من مكتب التربية بمحافظة تعز، وبحضور مدير التربية بالمحافظة ومدير التربية بالمديرية. ورغم تعيين مشرف للمدرسة، إلا أن الحقد الممنهج من قبل مسؤولي المديرية، وخصوصاً المدير العام أمين شرف الفضلي ومدير مكتب التربية عبدالحفيظ المنيفي، لم يفارقهم.

تتجلى ممارسات الحرمان في عدم توفير الكتب المدرسية والمقاعد والخدمات الأساسية للمدرسة، بالإضافة إلى حرمان المعلمين المتعاقدين من رواتبهم التي كانت تُصرف من المنظمات. ويزداد الطين بلة مع تكرار هذه التعسفات في العام الدراسي الجديد، حيث يعاني الطلاب والمدرسون من مضايقات مستمرة.

في مواجهة هذا الإهمال المتعمد، أظهر أهالي القرية والمجلس الأهلي صموداً لافتاً، حيث قاموا بشراء الكتب المدرسية على نفقتهم الخاصة وتوفير معلمين متعاقدين بتمويل من مجلس الآباء والأهالي. هذا الإصرار على التعليم يعكس إيمانهم الراسخ بحق أبنائهم في مستقبل أفضل، رغم كل التحديات التي يواجهونها.

عرقلة تسجيل الطلاب وتجاهل التوجيهات العليا

تجاوزت الممارسات التعسفية حرمان المدرسة من المستلزمات الأساسية، لتصل إلى تعميم يوجه مدراء المدارس المجاورة في مديريات المواسط بعدم قبول خريجي الصف السادس في ملحقية مدرسة صلاح الدين الأساسية، للتسجيل في الصف السابع. هذا القرار المجحف، يتجاهل حقيقة أن مكتب التربية بالمحافظة هو من افتتح المدرسة وأقر بتعمد نتائجها وشهاداتها مركزياً، بعد رفض مدير مكتب التربية بالمديرية القيام بذلك.

رغم وجود توجيهات من رئيس مجلس النواب الشيخ سلطان البركاني، ومدير عام مكتب التربية بالمحافظة الأستاذ عبدالواسع شداد، بضرورة معالجة مشكلة الطلاب وقبولهم، إلا أن هذه التوجيهات تُقابل بالتجاهل التام من قبل مسؤولي المديرية. اللافت أن طلاب المدرسة اضطروا للتسجيل في مدارس خارج المحافظة كصنعاء، وفي مديريات مجاورة كالمعافر والشمايتين، بينما يتم محاربتهم داخل مديريتهم.

اختطاف مشرف المدرسة وسوء استخدام السلطة

أحد الفصول الأكثر قتامة في هذه القضية هو قيام مدير المديرية وأركان حرب اللواء 35 باقتحام المدرسة واختطاف مشرفها إلى جهة مجهولة. هذا التصرف غير القانوني يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق المعلمين واعتداءً على حرمة المؤسسات التعليمية. الأهالي يؤكدون أن هذا المعلم ليس له أي علاقة بالإرهاب، وأن انتزاعه بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب غير اللائق يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الممارسات، وهل هي ذات دوافع حزبية، سياسية أو لمصالح شخصية.

واقع مأساوي في مدرسة الشهيد زايد سلطان

وفي سياق متصل، تكشف جولة للكاتب في مدرسة الشهيد زايد سلطان بعزلة قدس، عن واقع مرير، حيث يفترش عشرات الطلبة بلاط الفصول في أجواء باردة للغاية، نتيجة عدم توفر المقاعد الدراسية. أحد المعلمات المتطوعات، مواهب عبدالكريم الحمادي، أكدت أن العديد من الفصول تعاني من نقص حاد في المقاعد، ما يؤثر سلباً على مستوى التحصيل العلمي للطلبة.

ورغم الوعود التي أطلقها مدير عام مكتب التربية بالمحافظة أثناء افتتاح المدرسة بتوفير الحقائب المدرسية والكتب والمقاعد، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق بشكل كامل. تم صرف 120 حقيبة مدرسية فقط من أصل 150، وعرقلت المديرية صرف 50 كرسياً كان قد التزم بها مدير التربية بالمواسط، وكذلك 150 كرسياً من قبل مدير المشاريع. هذا الحرمان الممنهج، دفع مجلس الآباء والأهالي للتعاقد مع معلمين متطوعين ودفع رواتب لهم، وشراء الكتب من محافظات أخرى، لسد احتياجات المدرسة.

نداء استغاثة ومطالب بالإنصاف

يناشد أهالي قرية “الحاز عصيدة” جميع الضمائر الحية والمسؤولين في الدولة التدخل لإنصاف هؤلاء الطلاب ومنحهم جميع حقوقهم أسوة ببقية طلاب المدارس الأخرى، وتعويضهم عن الحرمان الذي تعرضوا له في الأعوام الماضية. يؤكد الأهالي عزمهم على مقاضاة كل من تسبب في عرقلة العملية التعليمية بالمدرسة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

يدين الأهالي بشدة ما قام به مدير المديرية وأركان حرب اللواء 35 من اقتحام للمدرسة واختطاف مشرفها إلى جهة مجهولة، مطالبين بمحاسبة المتسببين في هذه الانتهاكات. وتؤكد القرية أن جميع الوثائق والصور التي تثبت صحة ما تم نشره محفوظة وجاهزة لتقديمها للجهات المعنية.

هذه القضية لا تمثل مجرد خلاف إداري، بل هي صرخة استغاثة من مجتمع يسعى جاهداً لتأمين مستقبل أبنائه في وجه فساد إداري مستشرٍ، يتطلب تدخلاً عاجلاً وحاسماً من أعلى المستويات لضمان حق التعليم لأطفال اليمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى