“موتٌ في كيس النقاء” أو “ثلاثون رصاصة في قلب المكنسة” في رثاء افتهان المشهري 

فتحي أبو النصر :

  1. في جنازة المكنسة

في جنازتها، كانت المكنسة ترتجف.

كانت العصافير تطير مقلوبة، وكان ظلها أطول من جسدها، يمتد من باب البلدية حتى رصيف الجريمة.

مقالات ذات صلة

فأفتهان لم تُحمل على نعش، بل على غيمة خائفة من المطر، تساقطت منها أوراق المخالفات، وطلاء أخضر كان مخصصا للحدائق.


  1. شوارع تمشي على قدمين

حين قُتلت أفتهان، استفاقت الأرصفة، توقفت الحفر عن التثاؤب، وانكسر ضوء الشمس على قنينة مكسورة.

والقمامة قررت الإضراب، قالت: لا جدوى من تنظيف مدينة تغسل أيديها من الدم بماء المجاري.


  1. تعز ترتدي وجه القاتل

في تعز، المدينة ترتدي قناع قاتلها، وتُسلم مفاتيحها إلى من يعرف عدد الرصاصات أكثر مما يعرف أسماء الشهداء.

رأيت وجه أفتهان في الغيم، لكن المدينة كانت مشغولة بالتقاط السيلفي مع ثقب في السماء.


  1. مكنسة تتعلم الطيران

في المساء، صعدت مكنسة أفتهان إلى السطح، وقالت للنجوم: “خذوني حيث لا تُقتل الطهارة ولا تكتب الصحف بيانات العزاء”.

وفجأة، صارت لها أجنحة من حديد وطارت، تركت خلفها رسالة مكتوبة على منديل: “المدينة من الداخل، أكثر قذارة مما تتصورون.”


  1. رسالة من قلب الزبالة

من جوف الحاوية، خرجت رسالة، كتبها طفل كان يراقب أفتهان كل صباح: “أمي تقول إنها تشبه الملائكة، فقط دون أجنحة.”

لكن الرصاص لا يسأل عن الجمال، ولا عن الأطفال، ولا عن معنى الشرف الوظيفي.


  1. في عزاء مدينة

في العزاء، حضر الجميع إلا المدينة.

جلست خارج الخيمة، تدخن سيجارة، تسأل المارة: “هل رآها أحد؟ هل قالت شيئا قبل أن تنفجر في الصمت؟”

رد أحدهم: “كانت تضحك كأنها تعرف النهاية.”


  1. أوركسترا الرصاص

ثلاثون رصاصة، كأنها أوركسترا مجنونة تعزف نشيد النهاية على جسد امرأة كانت تحب أن تُنظف الأرصفة من بقاياكم.

واحدة للرأس، واحدة للقلب، والبقية: نشاز في ذاكرة المدينة.


  1. أفتهان التي رفضت أن تكون ظلا

أفتهان كانت واقفة، لا ظل لها، لأن النقاء لا يلقي ظلا، لأن الشفافية لا تحجب الضوء.

لكنهم أطفؤوا النور، وأطلقوا النار على النقاء.


  1. حديث الأرصفة

قالت أرصفة المدينة: “اعتدنا الأقدام الثقيلة، والشعارات الفارغة، لكننا لم نعتد أن نُكنس بالدم.”

ثم صمتت. ثم بكت، كما يبكي طفل ترك لعبته في زقاق الحرب.


  1. تعز، كائن فاشل في الحكم

قالت أفتهان في حلمي: “المدينة تحكمها جرذان في بدل رسمية، والعدالة تأخذ إذن مرور من بوابة مهترئة.”

ثم ابتسمت، وغابت، وتركت خلفها رائحة صابون وأثر حذاء نسائي يخطو فوق رقبة الوحش.!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى