نداء لتشكيل مجلس إنقاذ محافظة تعز: استعادة صوت الحكمة قبل فوات الأوان

حسين السهيلي :
لم تكن تعز في يومٍ من الأيام مجرد محافظةٍ على خارطة اليمن، بل هي قلبه النابض، وضميره الحي، وملح أرضه، ومحرّك الثقافة والسياسة والبناء والتنمية ، ومنطلق طلائع الثوار والأحرار منذ فجر ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين . تعز مصنع الأفكار الكبرى ، ورائدة الكفاءات والنخب التي شكّلت وجه اليمن .
واليوم، تقف المحافظة على حافة الانهيار — لا بسبب ضعف أبنائها، بل بسبب غياب صوت العقل واغتيال الحكمة من ساحتها العامة.
على مدار السنوات الماضية، تحوّلت تعز من مركز إشعاع فكري إلى ميدانٍ لتصفية الحسابات بين أذرعٍ إقليمية ووكلاء محليين. تعددت الفصائل، وتوزعت الولاءات، حتى صارت إقطاعيات ، وكل إقطاعية تُدار بعقلية الغنيمة أو مخزن مقاتلين وذخيرة . تعز التي كانت ذات يوم عاصمةً للثقافة، باتت اليوم عنواناً للفوضى والخذلان ومسرحاً لتصفية الحسابات بدماء وأرواح أبنائها .
والأدهى من ذلك، أن صوت الحكماء — الذي كان يعلو في كل لحظة مفصلية من تاريخ اليمن ـــــ غاب أو أُسكت. فمن كان يُنتظر منه أن يقود المشهد بالاعتدال والرؤية والبصيرة، آثر الصمت أو العزلة أو التماهي مع أحد المعسكرات المتنازعة. والنتيجة: فراغٌ قياديّ سمح للفوضى أن تتمدد، وللقوة أن تفرض نفسها مكان العقل والحكمة .
أين ساسة تعز ورجالاتها ؟ أين علماؤها ومثقفوها وتجارها؟
الذين حملوا لواء البناء والتنوير والحرية صاروا اليوم بين منفيٍّ أو صامتٍ أو خاضعٍ لأحد أطراف الصراع. ومع غيابهم تقدم المشهد قادة الفصائل وأمراء الحرب الذين يفرضون سطوتهم بقوة السلاح في اقطاعيات صغيرة تُدار لمصلحة الراعي الخارجي .
في ظل هذا الانقسام المدمّر، فإنني أدعو إلى تشكيل “مجلس إنقاذ محافظة تعز” كهيئةٍ مدنية مستقلة تمثل ضميرها الجمعي ، وتضع حداً للأجندات الخارجية والصراعات الداخلية التي مزقت النسيج التعزي. فلا خلاص لتعز إلا بأبنائها. وحين يتوحّد صوت العقلاء في تعز، سيُصغي إليهم الجميع .
مجلس يعبّر عن هموم وآمال وتطلعات كل أبناء تعز في الداخل والخارج ، ويمثل كل مديرياتها من حيفان الى شرعب والمخلاف ، ومن المخا وذُباب إلى ماوية ، دون استثناء أو تمييز حزبي أو مناطقي. مع تمثيل حقيقي لقادة المجتمع المدني والشباب والمرأة .
إن المهمة التاريخية للمجلس المقترح هي وضع حدٍ فوري لحالة التشرذم والولاءات المتعددة وإخراج تعز من مستنقع الفوضى والاستقطاب ، ولملمة النسيج المجتمعي المُمزق ، وإجبار الفصائل على تقديم مصلحة المحافظة على مصلحة “الراعي الخارجي” ، والولاءات الضيقة . واستعادة المكانة والوجه والدور الحقيقي لـ تعز.
إنّ التاريخ لا يرحم المتفرجين ولا المتخاذلين ، وتعز اليوم لا تحتاج مزيداً من الخطباء ولا المقاتلين ، ولا ميسري جلسات الحوار والتشاور في مكتب المبعوث الأممي على طريقة مدربي التنمية البشرية ، بل إلى رجال دولة حقيقيين وقادة مجتمعيين ، وحكماء يملكون الشجاعة ليقولوا: “كفى”.
فلتجتمع الكفاءات المشهود لها بالحكمة والمعرفة والقيادة ، والتجار الذين موّلت أياديهم التعليم والصحة والخدمات، والمثقفين الذين حملوا راية الوعي، والمشائخ الذين كانت كلمتهم مرجعية، والأكاديميون الذين خرّجوا أجيال متعلمة وقيادات شابة … جميعهم أمام امتحان أخلاقي وتاريخي.
فإن لم تتوحد هذه الأصوات تحت مظلة مجلس إنقاذٍ مدنيٍّ مستقل، فلن تكون المأساة استمرار الحرب والانفلات والفوضى فقط ، بل مأساة ضياع هوية محافظة بأكملها. وسيبقى القرار بيد من لا يرون فيها سوى ورقةٍ في صراعٍ وتنافس أكبر من حدودها.
لقد آن الأوان أن تعود الحكمة التعزية إلى مكانها الطبيعي: صوتاً للعقل، وجسراً للمصالحة، ودرعاً لحماية ما تبقى من روح اليمن الحرة.
هذه تعز محافظتكم … وهؤلاء هم أهلكم وأبنائكم … وهذا هو واجبكم … والحل والمخرج بأيديكم .
والله المستعان