هل رمضان جاء للأكل والشرب؟ .. مقال لـ جواد النابهي

سؤال يجول في خاطري كثيرًا ، وأكثر ما يثير التساؤل هو ما رأيته في مدينة تعز قبيل رمضان بأيام ، أثناء ما كنتُ في طريقي من برباشا إلى شارع جمال لغرض البحث عن محل للدعاية والإعلان ، شاهدتُ أمام بعض المحلات التجارية وفي لوحات إعلانات الشارع وفي الزجاج الخلفي لبعض الباصات لافتات تحمل عبارات تشير إلى أماكن التخفيضات للمواد الغذائية داخل الحالمة ، فتعجبتُ لما رأيتُ من الزحام الشديد ، أمام تلك المحلات ، فسألت بعض الخارجين منها ، هل هناك توزيع للمواد الغذائية بالمجان حتى يبرر هذه الأعداد من الناس ذكورًا وإناثا؟

فقال : لا …. بل توجد تخفيضات كبيرة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك ؛ فأستحضرتُ حديثًا دار بيني وبين أحد سائقي باصات النقل الداخلي في محافظة عدن قبل سنة مضت ، أثناء ما كنتُ راكبًا معه في المقعد الأمامي خلف ذلك السائق ، وبالتحديد في الخط الرابط بين جولتي عبدالقوي وضمرآن ، شاهدت إعداد كبيرة من المواطنين أمام مراكز التسوق الكبيرة ، فكان حديثنا آنذاك عن سبب الزحمة في كل مكان قبل دخول الشهر الفضيل بأيام؟! ولماذا في كل عام يزداد عدد الناس ذكورًا وإناث أكثر في الزحام في كل سوق؟! فهل يزداد عدد أفراد الأسرة عندما يأتي رمضان حتى يتسابق هؤلاء إلى المحلات لشراء السلع الغذائية وبكميات أكبر عن بقية أيام السنة؟! وهل الطعام الذي نأكله في رمضان يختلف عن بقية أيام السنة؟! وهل رمضان جاء للأكل والشرب؟!

وعلى عكس تلك الغايات والأهداف التي أوجب الله تعالى من أجلها الصيام تجد البعض من الناس يستهلك ميزانيته بشراء مواد غذائية بكمية كبيرة قبل دخول رمضان، تجده يشتري سلع استهلاكية ربما تكون غير ضرورية ، بل يشتريها لأن عليها عرض خاص – أي تُباع بأقل من سعرها بنسبة من 10٪ إلى 20٪ تقريبًا – ؛ وأكثر هؤلاء يفتقدون لنظام ترشيد الإدخار في ظل الأزمة الحالية التي يمر بها الوطن والتي ألقت بظلالها على أغلبية الناس خاصة محدودي الدخل .

فجميل أن يذهب الشخص إلى أقرب بقالة لمنزله ليأخذ منها حاجته اليومية وبالقدر اليسير ، ويقلل من شراء الكميات الكبيرة التي ربما بعضها تنتهي صلاحيتها قبل استخدامها ، حتى يتمكن من ترشيد فاتورة الاستهلاك المرهقة لميزانة الأسرة ، فشهر رمضان ليس شهرًا للتفاخر بمائدة الطعام ، بل هو شهر مقدس في الإسلام ومن أهم الأعمال التي يجب القيام بها –بعد الصيام عن الأكل والشرب من الفجر حتى الغروب– هو الإستمرار في أداء الفرائض والواجبات ، كصلاة القيام والذكر وقراءة القرآن وتدبر معانيه ، والسؤال عن الأرحام ، وبذل الصدقات والإحسان إلى القريب والغريب ، وتفقد المحتاجين المتعففين الذين يعيشون طوال عامهم جائعين لا يعرفون للشبع طريق ، والإصلاح بين المتخاصمين ؛ فـ رمضان يا أحبة هو شهر العتق والغفران ، فيه تفتح أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النيران ، وتضاعف فيه الحسنات ، وتُقال فيه العثرات ، وفيه تستجاب الدعوات ، وترفع فيه الدرجات ، وتغفر فيه السيئات .

رمضان أيضًا فرصة لمراجعة الحساب مع النفس والأهل والأصدقاء ورد المظالم إلى أهلها ، فهو فرصة للتخلص من الذنوب ومحوها بالطاعات وإعادة الحق إلى أهله ، فرمضان فرصة للتصحيح ومراجعة العلاقة مع الله ، ومع الآخرين وبالذات مع أسرتك وأهلك وجيرانك .

فالصيام لا يهدف إلى معاقبة الشخص أو تحميله أعباء لا تطاق ، بل إن الفكرة الأساسية وراءه هي تعليم الإعتدال والإنضباط الروحي والجسدي حتى لا تصبح الإغراءات البشرية جامحة وغير قابلة للسيطرة ليكون الإنسان عبدًا حقيقيًا لله ، فمن الضروري أن يكون الإنسان قادرًا على تكييف سلوكه مع الإنضباط الأخلاقي والروحي المتجسد في شريعة الإسلام .

أخيرًا :
للصوم مراتب : أدناها “كف البطن والفرج عن الشهوات” ، وأوسطها “كف الجوارح عن الآثام” ، وأعلاها “صوم القلب عن الهمم الدنية والصفات الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل” ، ولكل مرتبة مكانتها وأجرها عند الله … فاختر لنفسك..! وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.!

#جواد_النابهي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى