هل يصح الاشتراك في الجريمة بالمساعدة بسلوك سلبي

المستشار القاضي/ صالح عبدالله المرفدي :
تمهيد:
من المعلوم أن الفاعل الأصلي، هو الذي يكوّن سلوكه الركن المادي للجريمة، وهذا السلوك مُجرّم قانونًا، ومعاقب عليه في جميع الأحوال، آما المشترك في ارتكاب الجريمة، فلا يدخل في ارتكاب الركن المادي للجريمة، بمعنى أدق، لا يرتكب احدى الافعال المنفذة للجريمة نفسها!
وتجدر الاشارة، أن الاشتراك في ارتكاب الجريمة له عدة صور: إما بالتحريض، أو بالاتفاق، أو بالمساعدة. مع التنوية والتاكيد، أن المشرع اليمني لم يذكر صورة الاتفاق الجنائي، وإنما أدمج هذة الصورة مع صورة المساعد، على أساس أن المساعدة لا تتم ألا باتفاق جنائي، وبنفس الوقت لا يتحقق الاتفاق الجنائي إلا بمساعدة، بينما الاصح أن المساعدة صورة مستقلة عن الإتفاق الجنائي والعكس صحيح، وهذا متفق عليه تشريعًا وفقهًا وقضاء.
اولا/ مفهوم الاشتراك بالمساعدة:
كما ذكرنا سابقًا، أن الاشتراك في ارتكاب الجريمة يتحقق بثلاث صور: إما بالتحريض أو بالاتفاق أو بالمساعدة:
– فيكون الاشتراك بالتحريض، عندما يتجه المحرض إلى التأثير على نفسية الفاعل، فيدفعه إلى ارتكاب الجريمة، أي أنه يخلّف الفكرة الإجرامية لدى الفاعل ويقنعه بها حتى ينفذها.
– أما الاشتراك بالاتفاق، فهو يقتضى تفاعل إرادتي الشريك والفاعل، واتفاق هاتين الإرادتين على ارتكاب الجريمة، لكنه لا ينفذ الجريمة نفسها.
– في حين أن الشريك بالمساعدة، هو من أعطى للفاعل سلاحًا أو آلات أو أي شيء آخر، مما استعمل في ارتكاب الجريمة، مع ضرورة علمه بها، أو قد يساعده بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة، أو المسهلة، أو المتممة لارتكاب الجريمة.
ثانيًا/ موقف القانون اليمني:
تنص المادة (٢٣ عقوبات) بأن “الشريك هو من يقدم للفاعل مساعدة تبعية؛ بقصد ارتكاب الجريمة، وهذه المساعدة قد تكون سابقة على التنفيذ، او معاصرة له، وقد تكون لاحقة؛ متى كان الاتفاق عليه قبل ارتكاب الجريمة”.
ويتضح من خلال هذا النص، أن الشريك في ارتكاب الجريمة بطريقة المساعدة، هو من يقدم للفاعل سلاحًا أو آلات أو أي شيء آخر، مما استعمل في ارتكاب الجريمة، مع ضرورة علمه بها أو ساعده بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة، أو المسهلة، أو المتممة لارتكابها. وقد ذكر المشرع أن هذة المساعدة، قد تكون سابقة على ارتكاب الجريمة، أو قد تكون مقترنة أو مرتبطة بها، وقد تكون لاحقة بشرط أن يكون الاتفاق عليه قبل ارتكاب الجريمة؛ باعتبار أن المساعدة اللاحقة التي لم يتفق عليها قبل ارتكاب الجريمة، ك اخفاء الفاعل، أو جثة القتيل، أو المسروقات، ونحو ذلك من أفعال… فيعاقب عليها القانون؛ بحسبان أنها جريمة مستقله وخاصة.
كما يتبين من ظاهر نص المادة (٢٣)، آن المشرع اليمني لم يذكر طرق هذة المساعدة، سوى قوله بعبارة صريحة: (من يقدم للفاعل مساعدة)، وفي دلالة هذة العبارة، أن المساعدة يتصور آن تكون ايجابية، فالتقديم يقتضي القيام بسلوك إيجابي.. وفي الخلاصة، فأن المشرع اليمني لم يذكر صراحة، أن المساعدة قد تكون بسلوك سلبي الى جانب السلوك الايجابي! وعلى الرغم، أن القانون اليمني أسند فكرة تحقق الجريمة عن طريق الامتناع (م٧ عقوبات)، الا ان هذا الوصف ينطبق على فاعل الجريمة، الأمر الذي يعد غير كافي لانطباقه على الشريك بطريقة المساعدة.
ثالثًا/ موقف الفقة والقضاء:
١- موقف الفقه:
أ – الفقة الاسلامي/ اختلف الفقهاء على قولين:
– القول الأول/ لجمهور الفقهاء، فلا يرون في هذه الحالات وأمثالها إعانة لمن باشر الجريمة؛ لأن السكوت وإن أمكن اعتباره عوناً من الناحية الأدبية، إلا أنه لا يمكن اعتباره اشتراكاً بالتسبب وإعانة على الجريمة من الناحية الشرعية، إذ الإعانة المعاقب عليها تقتضي التفاهم بين المعين والمباشر، كما تقتضي أن يقصد الشريك من إعانته حدوث الجريمة، وأن تؤدي الإعانة إلى حدوثها. والسكوت على المجرمين في حالة من يرى جريمة ترتكب فلا يمنع من ارتكابها؛ السكوت في هذه الحالة لا يقوم على تفاهم، وإنما قد يكون نتيجة الخوف أو عدم المبالاة، كما أن الساكت لا يقصد من سكوته حدوث الجريمة، وليس بين سكوته وبين ارتكاب الجريمة علاقة السببية التي يجب توفرها بين عون المعين ووقوع الجريمة.
– القول الثاني/ للحنابلة: فلا يأخذون بهذا الرأي، ويفرقون بين القادر على منع الجريمة، ومن لا يقدر على منعها، فأما من يقدر على منع الجريمة أو إنجاء المجني عليه من الهلكة فهو مسئول جنائياً عن سكوته، ويعتبر مشاركاً في الجريمة ومعيناً للجناة، وأما من لا يقدر على منع الجريمة أو إنجاء المجني عليه من الهلكة فلا مسئولية عليه إذا سكت، ولا يعتبر معيناً على الجريمة حيث لم يكن في إمكانه أن يفعل شيئاً، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
ب – الفقة القانوني:
ذهب الفقه الفرنسي التقليدي إلى أن نشاط الشريك بوجه عام، يجب أن يكون إيجابيا، إذ لا تصح المساعدة كوسيلة للاشتراك بسلوك سلبي، فكل أفعال الاشتراك في قانون العقوبات تتكون من أفعال إيجابية، وهو أمر يري الفقه الحديث إتفاقه مع نص المادة (7/121 عقوبات فرنسي). اما في مصر، فيأخذ الرأي الغالب بما ذهب إليه الفقه الفرنسي، ومع ذلك، ذهب رأي أخر إلى أن المساعدة تصلح كوسيلة أشتراك من خلال سلوك سلبي؛ متي كان هناك التزام بواجب قانوني على الشريك يتطلب منه فعل إيجابي فأحجم عنه!!
٢- موقف القضاء:
ذهبت “محكمة النقض الفرنسية” على أن المساعدة في الجريمة، لا تصح أبدا بسلوك سلبي من جانب الشريك، سواءً أكان هناك التزام بواجب قانوني يتطلب منه إتخاذ اجراء فامتنع من عدمه، إذ يلزم دومًا أن يقوم بأفعال إيجابية مجهزه أو مسهلة أو متممه للجريمة محل الاشتراك، وهو ما أخذت به “محكمة النقض المصرية” مع محاولة تبريره، بالاستنادا إلى ظاهر نص المادة (٤٠ عقوبات)، والتي ذكرت أمثلة للمساعدة، إذ رأت النقض أن تلك الأمثلة التي ذكرها النص، تتطلب سلوك إيجابي في الاعمال المجهزة، أو المسهلة، أو المتممة التي يأتيها الشريك، ويترتب عليها وقوع الجريمة.
#رابعًا/ الاجابة على التساؤل؟:
ذكرنا فيما سبق، أن الشريك بالمساعدة، هو من يعطي للفاعل سلاحًا أو آلات أو أي شيء آخر، مما استعمل في ارتكاب الجريمة، (مع علمه بها) أو ساعده بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة، أو المسهلة، أو المتممة لارتكابها. وقد أثير خلاف، حول ما إذا كانت المساعدة كإحدى وسائل الاشتراك، يلزم أن تكون بأفعال إيجابية أم تصح بسلوك سلبي من جانب الشريك، ومن ذلك، الخادم الذي يترك باب مخدومه في الليل مفتوحًا ولم يغلقه؛ بغية مساعدة الجناة بذلك على ارتكاب السرقة، وأيضا رجل الأمن الذي تقع جريمة تحت بصره وسمعه، وكان في وسعه أن يمنعها.. فهل يعد كلاهما شريك في الجريمة أن توافر قصد الاشتراك لدية؟ ومرجع الخلاف ما يردده البعض من أن الامتناع “عدم”، والعدم لا ينتج سوي العدم، فضلا عن أن تقرير إمكانية تحقق الاشتراك بالمساعدة من خلال سلوك سلبي من شأنه أتساع نطاق التجريم، بما يتصادم مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ولزوم تفسير النصوص الجنائية تفسيرًا ضيقًا.
رأينا في الموضوع:
الواقع أن المساعدة في ارتكاب الجريمة، تتحقق في بعض الأحيان بنشاط إيجابي وأحيانًا أخرى بنشاط سلبي، المهم آن يكون دورها مؤثر في تحقق الجريمة التي قصدها الشريك من الامتناع، ولا محل للخشية من أن يؤدي ذلك إلى إفراط في الاشتراك؛ لأنه المتفق عليه أن السلوك السلبي لا يعد امتناع معاقب عليه، إلا إذا كان مقترن بواجب قانوني يفرض على الممتنع القيام بعمل، إذ الامتناع بوجه عام هو التخلي عن أداء واجب قانوني، فهو ليس مجرد سكون أو عدم، والقانون حين يعاقب عن الامتناع لا يعاقب عن السكون، وإنما يعاقب عن عدم القيام بالعمل الذي فرضه على الشخص، والذي ظهر في العالم الخارجي على أنه سكون وأحجام. وهذا الحكم، يسري على الفاعل والشريك جميعا، وعلى أساس ذلك، فأن الجار الذي لا يعد شريكًا بالمساعدة إذا وجد اللصوص يسرقون بيت جاره، وكان في وسعه منعهم أو التبليغ عنهم، فامتنع.. وهذا بعكس الشرطي، إذ الأول لا التزام عليه بواجب قانوني في منع الجريمة بخلاف الآخر!
وفي الخلاصة التوصية:
فأن عبارة (من يقدم للفاعل مساعدة) الواردة في النص القانوني اليمني، محصورة على الفعل الايجابي؛ وحتى نتجنب خطورة الاجتهاد والقياس في التجريم، لذلك، نوصي المشرع اليمني، بأن يلحقها بعبارة (بأي وسيلة كانت)، وهذا يعني شمول العبارة الأخيرة لوسيلة الامتناع أو الفعل السلبي، وبناء عليه، فأن أهمية وجود هذة العبارة في النص، تكمن بعدم استبعاد أن يحدث الاشتراك بوسيلة سلبية، وإلا أعتبرت عبارة (بأي وسيلة كانت) فضله زائدة وحشو وتكرار غير منتج! هذا تصورنا والله اعلم وهو الموفق للصواب.
✍️ القاضي/
صالح عبدالله المرفدي