هوس التصوير وانتهاك الخصوصية وتحويل الحياة إلى استعراض رقمي

بسبب الإنترنت السريع هنا في المملكة وجد اليمني كل شيء هدفًا للتصوير، فنحن في عصر السوشيال ميديا التي أصبح التصوير والنشر فيها حالة هوس مستشرية.
إن التصوير بالنسبة لي وسيلة لتوثيق الذكريات فحسب، لكنني وجدت أن الكثير من الناس هنا وحتى في اليمن قد حوّلوا جوالاتهم إلى نوافذ يطلون منها على أدق تفاصيل حياتهم وحياة الآخرين.
هذا الهوس بالرغبة في تصوير كل لحظة ثم نشرها على مواقع التواصل أفرز -في اعتقادي- ظاهرة اجتماعية مقلقة، وهي الاستهلاك المفرط للحياة وتحويل الخصوصيات إلى محتوى عام يُنشر عبر المواقع الشخصية.
الجميع هنا يتسابق لنشر كل شيء من الأماكن التي يزورونها وأطباق الطعام وحتى اللحظات الخاصة التي لا ينبغي نشرها، والأسوأ تصوير اللحظات الحميمة.
البعض لا يكتفون بتصوير حياتهم فقط، بل يتعدون على حياة الآخرين وينتهكون خصوصياتهم دون اعتبار لرغباتهم أو حقوقهم. نرى مشاهد لأشخاص يتم تصويرهم دون إذنهم في أماكن عامة أو خاصة أو حتى في لحظات ضعف وحزن، ليجدوا أنفسهم فجأة مادة للنقاش أو السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
أنا شخصيًا وجدت حرجًا كبيرًا في منع بعض الأصدقاء، حتى أثناء نومي يتم التقاط فيديوهات لي.
أعتقد أن هذا السلوك يعكس مشكلة نفسية خفية، حيث يسعى الأفراد إلى تحقيق القبول الاجتماعي والإعجاب بأي ثمن، حتى لو كان على حساب كرامة وخصوصية الآخرين.
تزداد المشكلة عندما يتعلق الأمر بأشخاص يرفضون الشهرة أو الانتشار الرقمي، لكن رغباتهم تُدهس تحت رغبات الساعين وراء الإثارة والشهرة.
علينا أن ندرك أن الحياة ليست محتوى، والإنسان ليس أداة للترفيه الرقمي. يجب معالجة هذه الظاهرة من خلال احترام الحدود الشخصية للآخرين وتعزيز الوعي المجتمعي بحقوق الخصوصية وقيمتها، فالحياة الحقيقية تكمن في عيشها بصدق وليس في تسويقها للآخرين.