يوسف المحبوس “المحترم” شاعر الفكاهة الأول

تقرير: رأفت الحمادي

حظي الشعر الشعبي في اليمن بالاهتمام الكبير من قبل جميع الفئات الاجتماعية لاسيما المهتمة بالجانب الفني نتيجة لتعدد أساليب وأنواع الشعر الشعبي التي تهدف بالوصول إلى المتلقي ضمن قالب مقبول لديه ومن هذه الأنواع شعر الفكاهة، وهو قالب شعري جديد نال شهرته الواسعة حيث يتسارع المتلقون، والمعجبون إلى حفظه وتداوله في مجالسهم ولقائتهم من أجل المرح وكسر الملل والرتابة.

الشاعر الفكاهي “يوسف محمد عمر ناصر المحبوس”

الشاعر الفكاهي “يوسف محمد عمر ناصر المحبوس” وهومن أبناء محافظة الحج، مديرية، يافع، من رياف قرية (ذي البُليس-حطيب-القعيطي).

ولد في أربعينيات القرن الماضي. والذي لقبه الكثير ب “المحترم”، نظراً لجودته الفنية وحسن بيانه وقوة معانيه وهو يلقي شعر الفكاهة لإضحاك وتسلية الجمهور والمتابعين له.

حيث كانت المنطقة حينها وسائر عموم مناطق اليمن تفتقر إلى المدارس وغيرها من الوسائل الحياة العصرية، وكان الشكل الوحيد والسائد هوتعلم القرآن الكريم في المنطقة، حيث التحق مع بقية أقرانه في كُتّاب الفقيه”المعلامة” تحت أشجار الوادي الظليلة التي تقيهم من حر الشمس.

نشأة شاعر الفكاهة

في كنف والده الشخصية والاجتماعية محمد عمر ناصر التي كانت من كبار أعيان بيت “القعيطي” ورجالها الذين يشاراليهم بالبنان بالفطنة والحكمة الرأي السديد فمارس ألعاب الطفولة مع أقاربه ونهل من قيم وتقاليد المجتمع، ثمّ انتقل مع والده من مسقط رأسه متجهاً نحو قرية “المحاقن” الواقعة أعلى الوادي.

فعاش منذ طفولته في بيئة شعرية، وبرز فيها العديد من الشعراء من “آل محبوش” أمثلا (سالم علي، قاسم عوض، سعيد يحي، محمد يحي، محمدقاسم عوض).

وفي السن الثامنة عشرة من عمره سافر إلى عدن واشتغل عاملاً في الميناء مع مجاميع من أبناء منطقته، فمنحته عدن بزوغ وعيه الوطني ليلتحق في النقابات العمالية التي لعب دوراً بارز في التمهيد للثورة، وشارك في المسيرات التي كانت تتصدرها النقابات ضد الاحتلال البريطاني.

ومع أن المحترم كان ولا يزال حتى اليوم من اكثر الشعراء في المشاكسة والمجادلة والزنقلة باللهجة العدنية – كما يقول الشاعر محمد يحي المحبوش؛ إلا أنه كان يتميز بسرعة البديهة ولايخرج مغلوبا بأي جدال مهما كان خصمه؛ بل يستفز من يدخل معه بجدال ويخرجهم عن الجاهزية إلى درجة أنه يدفعه للعراك معه، لولا الفراعة في اللهجة اليمنيه (الوسطاء) الذين يتأهبون مقدما لحماية المحترم من اندفاع خصمه.

ولأنه كان ينزل للعمل في عدن بعض المرات برفقة والده، فقد كان يتمظهر خلال حضور والده بكل وقار واحترام ويطلب من الجميع بأن لا يدخل معه أحد في مزاح أو جدال ولهذا أطلق عليه لقب المحترم في حضرة والده، وسرعان ما التصق به هذا اللقب وطغى على لقبه ألاصلي “المحبوش” حتى صحب جميع أولاده لقب المحترم.

تأثر الشاعر بمحيطه الشعري، لكثرة الشعراء من آل “محبوش”، ولكن تميزه عنهم جاء بفعل قريحتة الشعرية في غاية الظرف، ومعها اختلاط أسلوبه الشعري الفكاهي والمرح، المنطلق من بيئته الاجتماعية والثقافية، فتجده يُكثر من الدُّعابة والمزاح في معظم أشعاره، ولذلك التفت الناس حوله في المجالس أو في مكان يتواجد فيه.

ومع طغيان الفكاهة والسخرية في شعره فلا تخلو قصائده من دور الحكم والنصائح والمواقف الاجتماعية والسياسية التي يتكئ فيها على مخزون ذاكرته من الأمثال الشعبية التي يجيد توظيفها ومن القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد الحميدة التي نشأ عليها.

علي خُطا فرزدق الجنوب يحي عمر… الشاعر يوسف المحبوش “المحترم”

حسب قول ” د.علي الخلاقي”

لازلت محبوش واسمي دايماً ما امتحي

وريث يحي عمر ما دمت موجود حَيْ

بمشي بخفه كما عِسْق الحنش لاسَحِيْ

من عام سبعين في بحر الهوى مسبحي

وللشاعر يوسف المحبوش”المحترم” الكثير من الأشعار الظريفة واللطيفة التي تمتعنا وتثير لدينا مشاعر المرح والضحك، وهي تعكس روح الدعابة والظرافة التي لا تفارق صاحبها والتي تميزه عن غيره من الشعراء، بل هو أبرزهم في اختطاط هذا الأسلوب على مستوى مديرية يافع، والجميل أنه استقطب معه عدداً من الشعراء ممن يجدون السعادة والضحك بهذا الأسلوب حتى اقتفوا أثره وجاروه في نظمه، سواء من خلال استفزازه بمناظرات ومساجلات أو من خلال الوقف معه على شكل تحدي، أو ممن التزام الحياد وموقف الوسيط، ومن يسمع مساجلاتهم يظن أنهم يخوضون معرك حامية الوطيس، أما هدفهم هو الاسهام في تعميم البهجة والسرور واضحاك في نفوس الجمهور، التي ينتظر هذه الأشعار بكل سرور.

كنت أتابع هذه الأشعار والمساجلات الفكاهية بينه وبين العديد من الشعراء منذ أن اتخذت هذه المساجلات من منتدى القعيطي الإلكتروني عام 2012م ساحة لها، وحينها تعرفت علي أشعار الشاعر المحترم وأعجبت بأسلوبه ولقيت قبولاً في نفسي ودونتها في محفوظاتي، حتى أنني كنت الجأ إليها بين فنية وأخرى للترويح عن النفس أو أشْرِك معي في هذه المتعة الزملاء ممن تجمعنا بهم المجالس، ويحدث غالباً لأن يطلبون مني أن ألقي بعضها على مسامعهم.

ويضيف “د. الخلاقي”وحينما وصلت إلى شيكاغو أو آخر مايو الماضي؛ كان صديقي الشاعر زين بن زين أبو بشار يمتعنا بطرائف يختارها من فكاهيات المحترم في المجلس العامر لأخيه “عطاف زين” الذي يجتمع فيه الناس في أمسيات مسائية لا تخلو من السياسة والفن والطرب والشعر، حتى أنه يفضل تقديم أشعار المحترم التي يحفظ الكثير منها في ذاكرته أو ذاكرة تلفونه على نفسه، حتى حينما نطلب سماع بعض أشعاره، يعدنا غالباً إلى أشعار (المحترم).

من جبال يافع الشاهقة… لتربع على ساحة الشعر الشعبي

يأكد القول “الأستاذ ناصر سالم حسن الكَلدي” الباحث في التراث اليافعي:لم يحصل الشاعر على قسط من التعليم، مثله مثل أبناء جيله، لعدم وجود المدارس حينها في يافع، واكتفى بتعلم قراءة القرآن في كُتَّاب القرية (المعلامة). ورغم انتقاله للعمل في عدن، إلا أن معظم حياته قضاها في مسقط رأسه، وتأثر في شعره بالبيئة الاجتماعية التي انعكست في شعره، واستخدامه للغة قومه وأمثالهم وحكمهم التي يتخاطبون بها في حياتهم اليومية، دون تكلف منه في تنميق أشعاره، ولهذا فإن شعره مترع بالكلمات الدارجة التي يصعب فهم بعضها لغير أبناء يافع، بل حتى أن جيل الشباب من اليافعيين قد يجهل معناها، ومنها مسميات محلية للمأكولات والأدوات والملابس وغيرها مما يخص شئون الحياة اليومية، مما يثري قاموس اللهجة بكلمات كادت تندثر.

يوضح الباحث في التراث اليافعي الأستاذ ناصر الكَلدي أن الشاعر المحترم يمتلك موهبة شعرية فطرية تمكنه من إبداع قصائده بسلاسة وسهولة وانسجام دون تكلف. ويرقي شعره إلى مستوى الجودة، ويحرص على التزام القافيتين في صدر وعجز مع الالتزام بحرف الروي، مستخدما إيقاعات الشعر العمودي بتلقائيته، عن قوة المبنى والمعنى بغض النظر عن الغرضرالذي يرمي إليه، ويغفله بسخريته الفكهيه وتخيلاته التي تبدعها قريحته وتقدمها في قالب يقترب إلى الحقيقة، كما قد يظن من لا يعرف حقيقة الشاعر ومضمون أشعاره التي يبدعها للتنفيس عن الروح وانتزاع البسمة من المتلقين والمعجبين بشعره، لبضفي البهجه في نفوسهم حتى في أحلك المواقف. وهكذا فحتى هاجسه حينما يأتيه يقبل ضاحكاً يشبه صاحبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى