مكابدات معاوية اليمني: بين التاريخ والواقع المعاصر

مكابدات معاوية اليمني: بين التاريخ والواقع المعاصر!

فتحي أبو النصر:

في حي الجراف في صنعاء، كان اسم “معاوية” يشكل تحديا صريحا للعيش بسلام، ليس بسبب فعل ارتكبه صاحب الاسم، بل لأن تاريخا طويلا من الجدل الطائفي يحوم حول هذا الاسم، ليصبح مرتكبه معرضا للتمييز والنبذ. إنها قصة معاوية اليمني الذي ظلَّ اسمه يلاحقه في واقع لا يرحم، رغم بعده عن الصراعات التاريخية التي ارتبط بها الاسم!

في تلك الحقبة من عام 2008، لم يكن اسم “معاوية” مجرد اسم، كان شبحا يطارد صاحبه ويلقي بظلاله على حياته اليومية.

معاوية عبده محمد علي السفياني،هو معاوية الذي كان طفلا يمنيا، ينتمي إلى أسرة ريفية من تعز عاشت في منطقة الجراف، وهي أحد الأحياء الفقيرة التي تحمل في طياتها الكثير من التوترات الاجتماعية والسياسية.

منذ أن كان في سن مبكرة، شعر بأن هناك شيئا غير مألوف يحيط باسمه، لا سيما في صنعاء التي كانت تشهد انقسامات حادة بين المكونات السياسية والدينية.

تذكره الأحداث التاريخية التي تتعلق بمعاوية بن أبي سفيان، الخليفة الأموي الذي ارتبط اسمه بمرحلة من الفتنة والصراع على السلطة، وهو ما جعل الشاب معاوية يتعرض لتمييز حاد، بل واتهامات بالخيانة والتطرف.

وعندما نشأ معاوية في الجراف، كان لديه من الشجاعة ما يجعله يواجه تحديات الحياة، لكن ما لم يكن في حسبانه هو أن يكون اسمه سببا رئيسيا في معاناته اليومية.

يروي عن نفسه كيف كان يشعر بالغرابة في صنعاء، رغم أن اسمه كان شائعا في مدينه تعز. لكن في صنعاء، كان كل شيء مختلفا،بل كانت العيون تلاحقه، والألسنة تلوك اسمه بمرارة. لم يكن يهم أن يكون طفلا بريئا أو شابا طموحا، فكل ما يراه الناس هو الاسم، وأحيانا يُنعت بالـ”ملعون” أو “الفتنة”، كما كان يصفه إمام جامع حطروم في صنعاء، حيث كان يصلي.

كان الإمام المداني يصر على أن معاوية هو “رأس الفتنة” بناء على خلفيته التاريخية التي كانت تثير حساسيات لدى المليشيات الحوثية التي كانت تسيطر على العاصمة.

و لم يكن الإقصاء الاجتماعي مقتصرا على الكبار فحسب، بل شمل الأطفال أيضا. كان أهل الحي يعزلون أطفالهم عن اللعب مع معاوية، ويُجبر على الصلاة في حوش الجامع بعيدا عن باقي المصلين، فقط لأن اسمه كان يثير غضبهم.!

في عام 2008، تعرض معاوية لضغوط شديدة من قبل عائلته وأصدقائه لتغيير اسمه. كان العرض الأول يتضمن دفع تكاليف تغيير الاسم، وعندما رفض، قدموا له مكافأة مالية تقدر بألف ريال سعودي لتغيير اسمه. كان هناك من يرى أن تغيير الاسم قد يُنهي المعاناة التي عاشها، لكن الشاب معاوية تمسك بهويته، معلنا رفضه للرضوخ أمام ما يسميه بـ “الابتزاز الاجتماعي”.

ومع مرور الوقت، كان هو وأسرته يعيشون في عزلة اجتماعية شديدة، والكل يتجنب التعامل معهم. حتى أخوه، الذي كان اسمه الحسين، كان يتمتع بشعبية أكبر في المجتمع الجرافي رغم أنه لم يكن أكثر استقامة أو أخلاقا من معاوية.

وفي عام 2018، كانت دخلت الحملة الإعلامية ضد معاوية مرحلة جديدة. ففي هذه الفترة، بدأ يظهر وصف جديد له من قبل بعض الأوساط، حيث أُطلق عليه لقب “داعشي”، نسبة إلى تشبيه ربطه بتنظيم داع.ش. الإرهابي، بسبب الأيديولوجيا التي تُنسب إلى الاسم الأموي الذي يحمله.

هذا التشبيه جعل حياته أكثر صعوبة، مما دفعه إلى اتخاذ خطوة جريئة: تغيير اسمه إلى “عمار”. لم يكن هذا التغيير مجرد تغيير شكلي، بل كان محاولة للهروب من عبء تاريخ ثقيل لم يكن له يد فيه.

وخلال تلك الفترة، قرر معاوية أن يأخذ دورات في اللغة الإنجليزية لفتح باب أفق جديد له بعيدا عن التاريخ الذي يلاحقه.

وعلى الرغم من محاولاته للتكيف مع المجتمع الجديد الذي اختار أن يعيش فيه، إلا أن محاولات الاندماج لم تكن سهلة. كان يُحتجز يوما كاملا في السجن بسبب شكوك حول انتمائه الفكري، وظل يُحاكم في المجتمع الجرافي بسبب اسمه وارتباطه غير المباشر بالفتن والصراعات التاريخية.

لكن، ورغم كل ما مر به، لم يستسلم معاوية. ففي جامعة تعز، تمكن من الوصول إلى منصب الأمين العام لاتحاد طلاب الجامعة.

هذا المنصب لم يكن مجرد خطوة نقابية وأكاديمية فحسب، بل كان دليلا على إرادته في تجاوز الصعاب وتغيير واقع حياته، بعيدا عن الظلال التاريخية التي طالما كان يُربط بها. ولقد استغل منصبه ليبني جسورا من التعاون بين الطلاب، ويساهم في توجيه طاقاتهم نحو تطوير الحياة الطلابية، لكن ظل اسمه عائقا أمام تقدمه، رغم أنه كان شخصية قيادية محترمة في محيطه الجامعي.

ولقد كانت تجربة معاوية في حياته تذكيرا صارخا بكيفية تأثير الماضي على الحاضر، وكيف يمكن للأسماء أن تكون أكثر من مجرد تحديد للهوية.

فبينما يعتبر البعض أن الشخصيات التاريخية مثل معاوية بن أبي سفيان مجرد ذكرى من الماضي، فإن الواقع المعاصر يُظهر أن إرث الأسماء لا يزال يؤثر في حياة الأفراد.

وهكذا، تظل رحلة صديقي معاوية اليمني رمزا للعديد من الشباب الذين يحملون أسماء تاريخية مثقلة بالأعباء، ويكافحون من أجل إيجاد مكان لهم في عالم يعاملهم حسب انتماءاتهم التاريخية وليس حسب شخصياتهم أو أعمالهم.

معاويه السفياني

ناشط شبابي

أمين عام الاتحاد العام لطلاب اليمن في جامعة تعز ثم القائم بأعمال رئيس الاتحاد .

خريج محاسبة جامعة تعز ويعمل مسؤول مالي وإداري لدى عده جهات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى