رجاء الدبعي حين تصنع امرأة واحدة ما يعجز عنه الف مسؤول

كتب د. أمين عبدالخالق العليمي:

في زحمة هذا العصر الذي يكثر فيه الضجيج ويقل فيه العمل الصادق، تظهر شخصيات نادرة لا تبحث عن التصفيق، بل تصنع الإنجاز بصمت، وتترك أثرًا لا يُمحي، من بين تلك الوجوه النقية، يسطع إسم الأستاذه رجاء الدبعي، مديرة مدرسة الشهيدة نعمة أحمد رسام، تلك المرأة التي لم تنتظر الإمكانيات، بل كانت هي الإمكانية ذاتها، ولم تلتفت لندرة الموارد، لأنها كانت المورد الأغنى بروحها وصدقها وإصرارها.

لم تأتِ رجاء الدبعي على حصانٍ من ذهب، ولم تفتح لها الأبواب مفاتيح السلطة أو دعم المراكز ، لكنها جاءت تحمل في قلبها وطنًا ، وفي عقلها مشروعًا ، وفي يدها مصباحًا من إرادة لا تنطفئ، وبذلك تحولت المدرسة التي تديرها من مبنى دراسي بسيط إلى ورشة وطنية لبناء الإنسان، ومن مساحة تعليمية إلى منصة إشعاع فكري ومهني ومعرفي.

من خلال قرأتي أنها أطلقت برنامج الطاقة والكهرباء، أدركت أن ذلك لم يكن مجرد نشاط صيفي عابر ، بل كان درسًا عمليًا في كيف تصنع المستحيل بإيمانك، وتنتج الأمل من أبسط الأدوات، ستة عشر طالبًا وطالبةً احتضنهم هذا المشروع التدريبي لمدة عشرين يومًا ، تلقوا خلالها خبرات حياتية ومهنية سترافقهم طيلة العمر ، وأين ماذهبوا ، نعم، الأمر يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه في عمقه تجسيد لمفهوم النهضة الحقيقية: تمكين الإنسان … لا تلقينه فقط.

وبقيادة كوادرها المساعدة تحية لهم ولهن جميعًا لنا الشرف ونتشرف بهم/ وبهن في وطنٍ يحلم إنه يري أبنائه يتبارون في حب ترابه وارضه وانسانه، وبإشرافٍ لا يعرف الكلل من هذه المديرة التي تفكر كقائدة، وتتحرك كأمة، تم تحويل ذلك الحلم إلى واقع ملموس، لم تكتفِ بتوفير المعرفة النظرية، بل مزجت النظرية بالتطبيق، والأمل بالعمل، والقيادة بالخدمة.

الأستاذة رجاء الدبعي لا اعرفها ولم أتشرف بمعرفتها أو مقابلتها، لكن سمعي ونضري وحواسي تعرف أعمالها عن بُعد ، بعين مواطن مراقب يحلم أن يتسيد وطنه أمثال هذه القيادات، إنها ليست مجرد مديرة مدرسة، بل هي مشروع وطني متنقل، وجهٌ مضيء في خارطة التعليم، امرأة بألف رجل، حملت عبء التغيير في بيئة صعبة، لكنها لم ترفع راية العجز ، بل رفعت راية التطوير … وهنا الفرق.

نعم، نحن بحاجة إلى مسؤولين مثلها، يؤمنون بأن التغيير يبدأ من القلوب المؤمنة، لا من الجدران المدهونة ، ومن العقول العاملة ، لا من المقاعد الوثيرة،

شكرًا رجاء الدبعي …

لأنك لم تنتظري أن يُصنع التغيير، بل كنتِ أنتِ صانعته، شكرًا لأنكِ علمتينا كيف نحول الألم إلى أمل، والندرة إلى وفرة، واليأس إلى انطلاقة، وما زلتِ – في زمن الخيبات – بصيص نور لا يخفت، وصوت ضمير لا يسكت، شكرًا لكادرك وجنودك المجهولين وأنتِ زعيمهم.

بارك الله فيك وزاد الوطن من أمثالك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى