صنعاء … عاصمة الجمهورية اليمنية

محمد الزهيري :
صنعاء شيخ متوج بعمامة وبحر متلاطم الأمواج لا يحسن قيادتها إلا قبطان من أبنائها ، تحتضن كل يمني وتستضيف كل عربي وترحب بكل إنسان مهما كانت ديانته أو بشرته أو لهجته ، تتعايش مع السلام وتحيا بالأمان وترتاح للوئام ، لا تحب العداوات وتبغض المجاملات وتكره المحسوبيات ، يتعاقب عليها الخير والشر ، فترحب بالخير وتخفض رأسها عند هبوب رياح الشر ، مبانيها تتراقص في قاع العلفي ، بين نبض التحرير ، وشوق الستين ، تتمايل حدة لتضم السبعين ، وترتشف الوحده معينًا جميلًا ، صنعاء ارجوحة طفل صغير بيده بندقية صيد يتعلم فنون القيادة ، بين مطارها وبابها.
صنعاء تلك المحروسة بهالة من الإنسجام العاطفي ، بيني وبينها المتوسدة بردتي في ليلها ، مبتسمة الثغر في صباحي الجميل ، عاشقة الورد ، وباعثة العطر ، المزيونة تعطرت ببخور بيوتها القديمة ، وعاداتها الحديثه ، لا تعرف المكياج ، هكذا هي ناصعة الجمال بدون مساحيق ، راقية الطباع ، لها باب واحد ، وقلب واحد ومفتاح واحد ، وحبيب واحد ، صنعاء لا تغار لأنه لا يوجد لها منافس في التاريخ القديم أو الحديث ، تكره المقارنه ، لأنه لا يوجد مجال للمقارنة ، عيناك يا صنعاء ، شمس النهار ، وقمر الليل ، تتنفس كوب القهوة في شوارعها بنكهة البن اليمني ، رائحة البخور تسري في خلاخلها كل خميس.
كانت صنعاء تختال بثيابها بين جبال تطل عليها ، وتعود لتغلق باب اليمن ، وتتعقم بملح من روابي سوقها ، تنسل ليلًا لتسامر القمر في ربيع جل مافيه أنه بهي الطلعه ، حسن المنظر والمظهر ، تنام في بقعة من أرض هي أرضها ، تنام على أريكيتها ، الجمال يوسد خدها ، والشمس تشرق من وجهها ، هكذا بدت صنعاء القديمة ، بابها باب اليمن كطفلة مدللة ، تتراقص الكلمة في شفاهها ، وتتداعى النبض من بين ثناياها ، تهمس همسًا للتحرير ، فيتهادى يمن باكمله.
صنعاء القديمة … تتزاحم حكاوي جمال عشق عسجدي مرصع ببيوت ذات طابع قديم برتبة مهيب ، تتناثر بين صفحات التاريخ وخرائط الجغرافيا نكهة صنعاء القديمة ، لتوزع نكهتها لمدن العالم أجمع ، تلك النكهة عريقة بعراقة تأريخ البشرية ، من بعيد ، من هناك ، ينادي سام بن نوح ، ما هذا يا صنعاء كيف جمعتي من كل لون فن ، مباني راقيه ، حارات نظيفة ، بناء هندسي لا مثيل له ، شمسك ترتشف كأس قهوتها من يدك ، ماذا قدمتي لكي تشتاق الشمس لتناول قهوة صباحها من تلك اليد عبر بوابة سوق التحرير ، ماهذه الهاله المتألقه التي تظهرين فيها وأنتي بكامل زينتك الفضية ، ما هذا الرونق البهي الذي يظهر في سماء عاصمة سام ، نحرك أرقى من ملامح كل البشرية
لأنها صنعاء … تنساب الكلمات من ثغر القلم بدون استئذان ، لتعانق صفحة الوادي الفسيح من أرض سبأ ، تتمايل عناقيد العنب لتسلم على مدينة سام ، تعطيها التحية الأدبية من مقيل الدكتور عبدالعزيز المقالح ، وتضع عمامتها في ديوان الشيخ الأحمر ، ولا تنسى أن تنادي لمقيل في إحدى شوارع صنعاء ، تفتن ارباب العقول بخمارها ، فكيف بعيناها ، تهمس في اذن العطر ، لك أن تشتم يا عطر رائحة صنعاء وتنادي الأقلام أيها الورد قم وقبل جبين فراشة تحوم بين حنايا سام ، وشام تنادي في ربيع الدهر اثلجتي صدري طربًا يا صنعاء.
صنعاء …تأريخ يحكى وواقع يعاش ، ومجد يخلد وسكن لكل محتاج ، يضم قلبها كل اليمنيين ، تخالج ضحكتها يمناها وترتشف حكاوي المجد من ثنايا أبنائها ولواجم فرسانها ، مهابة الطلعة ، شديدة النبره ، سلامها بيمناها ، وحربها على من يريد بها شًرا ، متنفس الأحباب ، ومنتزه الأصحاب ، ومنتجع الأهل والأقارب ، يكفيها من المجد أنها صنعاء ، وحسبها من الحب أنها صنعاء ، جمال الكون في وجهها ، وحسن المنظر في بهائها ، عفيفة لا تمتد يديها لاحد ، رشيقة القوام ، ومن مثلك يا صنعاء.