وجع الأستاذ الجامعي.. بين شرف المهنة ومهانة الواقع

أ.د مهدي دبان بروفيسور فيزياء الجوامد وعلم المواد جامعة عدن:

الكثير من أساتذة الجامعات يفنون أعمارهم في خدمة العلم وتخريج الأجيال، يمضون أيامهم في قاعات المحاضرات والمختبرات، ويقضون ساعات طوال في مكاتبهم الجامعية يقدمون الدعم العلمي والأكاديمي لطلابهم. لا يكتفون بالحد الأدنى من الواجب، بل يكرسون جهودهم حتى بعد انتهاء محاضراتهم الرسمية، يرافقون طلبة الدراسات العليا، يشرفون على أطروحاتهم، يتابعون الجديد في تخصصاتهم، يقرؤون ويكتبون ويترجمون ويؤلفون وينشرون الأبحاث العلمية في مجلات الداخل والخارج، رغبة في إثراء المعرفة والارتقاء بسمعة الجامعة والكليات التي يمثلونها.

ورغم كل هذا البذل، لا يجد الأستاذ الجامعي التكريم اللائق في مجتمعه، ولا حتى من الجهات ذات العلاقة، فالرجل الذي يشكل العمود الفقري للنهضة العلمية والفكرية بات اليوم يكابد هموم الحياة اليومية تحت وطأة راتب لا يليق بمكانته، معاش لا يُمكنه من مجابهة متطلبات الحياة الكريمة، بل قد لا يبلغ ما يُنفقه أصغر أبناء مسؤول أو قيادي في يوم واحد.

وجع الأستاذ الجامعي لا يكمن فقط في ضعف المرتب أو ضيق الحال، بل في التناقض الفادح بين ما يُقدمه من عطاء وما يُقابل به من تجاهل.

إنه لا يعمل من أجل لقب أو منصب، بل بدافع شغفه بمهنته وإيمانه العميق برسالته التعليمية والعلمية. غير أن الواقع المؤلم جعله يعيش تمزقا داخليا مريرا؛ بين شرف ما يؤديه من دور في بناء الإنسان والمجتمع، وبين مهانة ما يعيشه من إهمال رسمي ومجتمعي، لا يليق أبداً بقامته ولا بعطائه. كيف لعقل أن يظل منتجا ومبدعًا وهو يئن تحت وطأة الإهمال، ويُعامل كما لو أن جهده من نافلة الأمور؟

وما يزيد الجراح اتساعا أن التعيينات التي تطال المناصب العليا في الوزارات أو الهيئات أو حتى السفارات والملحقيات الثقافية، غالبًا ما تستبعد هذه الكفاءات التي تستحق، لتمنح الفرص لمجرد مقربين أو محسوبين على جهات معينة، لا يملكون لا الخبرة الأكاديمية ولا الكفاءة العلمية، أو لأنهم على صلة بقيادات حزبية أو سياسية أو مناطقية.

فإلى متى سيظل هذا التجاهل المؤلم للعقول النزيهة التي تعمل بصمت في الميدان، وتُسهم – بصدق وإخلاص – في الارتقاء بالمجتمع في أصعب الظروف؟

إلى متى سيظل الأستاذ الجامعي يعاني الإقصاء، بينما يُحتفى بمن لا يستحق؟

ألا تستحق هذه القامات أن تُحتضن وتُكرم وتُمنح المكانة التي تليق بعطائها؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى