من إسقاط الفساد إلى إسقاط الكرامة فلا تجعلوا من تعز مسرحًا للمهانة

ما جرى اليوم في شوارع تعز لم يكن تعبيرًا عن الغضب الشعبي فحسب بل كان – للأسف – نموذجًا مؤلمًا لانزلاق الوعي المدني من ساحات المطالبة إلى هاوية السخرية والمهانة.
فيديوهات متداولة تظهر “حميرًا” عُلقت على ظهورها صور محافظ المحافظة واستُقبلت بهتافات … حيا بهم… حيا بهم وأهلًا بالسلطة المحلية وكأن السلطة الحاكمة تُجسد في صورة بهيمية….!!!!
هنا لم نعد أمام تظاهرة تطالب بحق أساسي كالماء بل أمام عرض مؤسف يُهين الكرامة العامة قبل أن يُحرج السلطة.
نعم أزمة المياه طاحنة والفساد لا يُطاق ولا أحد يُبرر تقصير أي مسؤول تجاه أبناء محافظته لكن الرد على ذلك لا يكون بتحطيم ما تبقى من صورة المدينة ولا بتجريد المناصب العامة من رمزيتها.
نقد المسؤولين حق والمطالبة برحيلهم مشروع ولكن إهانة المناصب نفسها ليست وجهًا من أوجه النضال بل وجهًا من أوجه الانحدار.
لقد حاول البعض تبرير ما حدث بالقول إن هناك دولاً تُعلق صور المسؤولين في القمامة وإن صح ما قيل فإن هذا تبرير مشوّه وغير ناضج لأن تلك الدول تعيش في ظل أنظمة ديمقراطية تؤطر الاحتجاج بقانون وتحكمه مؤسسات وتُسائله إعلامات حرة.
أما في وضعنا الهش فإن الانفلات الرمزي لا يعني شيئًا سوى تسليم سلاحنا الأخلاقي للخصوم.
المفارقة أن هذه الإهانة نفسها أعطت وسائل إعلام معادية – حوثية وغيرها – فرصة ذهبية لتشويه تعز والضحك على مظلوميتها.
ما حدث اليوم لم يُسقط الفساد بل أسقط صورة المدينة وسوّى بين المجرم والضحية بين من ينهب ومن يعارض بطرق لا تليق.
لا السلطة المحلية قامت بواجبها ولا المعارضة صارت معارضة ولا المحتج عرف كيف يحافظ على احترام رسالته.
المؤسف أكثر أن بعض الأصوات بدأت تعتبر هذا الفعل “ابداعًا ثوريًا” و”ردًا شعبيًا على الظلم” بينما هو في الحقيقة نهاية لمكانة تعز كنموذج للوعي النضالي المدني.
المحافظ يمكن تغييره لكن كرامة المدينة حين تُهان بهذا الشكل لا تُستبدل بسهولة.
ارفضوا الفساد طالبوا بالإصلاح واجهوا التقصير لكن لا تُسقطوا ما تبقى من هيبة الخطاب لأن من يهين المعنى اليوم سيعجز عن صناعة التغيير غدًا.
والله المستعان وعلى ما نقول شهيد.