من الماء إلى الكرامة: كيف تسحق الأزمات سكان تعز يومًا بعد آخر

د. عبد القادر الخلي :
تعاني مدينة تعز من تدهور متسارع في مختلف مظاهر الحياة، بعد أن كانت لسنوات طويلة منارة للعلم والثقافة ومركزًا حيويًا للحراك السياسي والمدني في اليمن. اليوم، تغرق المدينة في واقع خانق يتفاقم يومًا بعد آخر، حيث تتوالى الأزمات الخدمية والمعيشية بوتيرة مرهقة، في ظل غياب مؤسسات الدولة وعجز السلطات المحلية عن إدارة شؤون السكان أو التفاعل مع متطلباتهم.
فإلى جانب الحصار المستمر، تواجه المدينة أزمات متعددة تعكس انهيار البنية التحتية واهتراء منظومة الحكم. فقد شلّت أزمة الوقود حركة النقل والخدمات، وتحوّلت الكهرباء إلى حلم بعيد المنال، بينما يقف المواطن عاجزًا أمام الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية نتيجة انهيار العملة الوطنية، التي باتت قيمتها تتآكل يوميًا أمام الدولار بسرعة “صاروخية”، على حد وصف السكان.
لكن الأزمة التي كشفت عمق الانهيار ولامست حدود الكارثة الإنسانية المباشرة، هي أزمة المياه. فقد بدأت بانعدام وصول المياه إلى المنازل، سواء عبر الشبكة العامة أو عبر صهاريج (وايتات) المياه، ثم تصاعدت لتتحول إلى أزمة في الحصول على مياه الشرب ذاتها.
اليوم، أصبح ملايين السكان في تعز مهددين بالعطش، بعد أن وصل سعر 20 لترًا من مياه الشرب إلى ألف ريال يمني، وهو مبلغ يفوق قدرة كثير من الأسر، خاصة في ظل نسب البطالة المرتفعة وتآكل الدخل.
في هذا السياق، يتحول المشهد اليومي في شوارع تعز إلى عرض مؤلم لمعاناة لا تنتهي: نساء، وأطفال، وشيوخ، يتنقلون من حي إلى آخر، ومن شارع إلى شارع، بحثًا عن جالون ماء. هذه الصورة التي تتكرر بلا توقف، ليست مجرد دليل على تراجع الخدمات، بل تعكس انهيارًا شاملًا في منظومة الكرامة الإنسانية، وتفكك العقد الاجتماعي الذي كان يُفترض أن يحمي الإنسان ويوفر له الحد الأدنى من متطلبات البقاء.
على المستوى السياسي، تعكس هذه الأزمات حالة من التهميش البنيوي والإقصاء المستمر الذي تعاني منه تعز. فرغم ارتباط السلطة المحلية بالحكومة المعترف بها دوليًا، إلا أنها لا تملك صلاحيات حقيقية، وتُقيد قراراتها بقوى عسكرية متنازعة، ما أفقدها القدرة على تنفيذ أي إصلاحات أو فرض سلطة القانون.
وقد أسهم تضارب المصالح بين النخب السياسية والعسكرية والاقتصادية، إضافة إلى المناكفات الحزبية، في تكريس حالة الشلل الإداري، وتجاهل المطالب الشعبية المتكررة.
إن أزمة المياه في تعز لم تعد أزمة خدمات، بل باتت تعبيرًا صارخًا عن فشل الدولة وانهيار مفهوم المواطنة، حيث يُترك المواطن لمصيره في مواجهة أبسط احتياجاته دون حماية، أو استجابة، أو مساءلة.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مطروحًا بإلحاح: هل تُترك تعز وحدها لتواجه مصيرها في العطش والحرمان؟ أم أن هناك من لا يزال يملك الشجاعة لانتشالها من هذا القاع، وإعادة الاعتبار لها كمدينة تمثل روح اليمن المدنية والوطنية؟