إفتهان المشهري … حين يُغتال النقاء في وضح النهار

كتب/ مجيب الكناني:
في مدينة تعز، التي أنهكتها الحرب وتكسرت على أرصفتها الأحلام، سقطت أفتهان المشهري برصاص الغدر، لا لأنها حملت سلاحًا، ولا لأنها هددت أحدًا، بل لأنها حملت قلبًا نظيفًا ومكنسةً تطرد القبح من شوارع المدينة.
“افتهان” ، مديرة صندوق النظافة والتحسين، كانت امرأة لا تشبه هذا الزمن. كانت تخرج كل صباح، تتابع أعمال النظافة، تشجع العمال، تزرع الأمل في مدينة تتنفس الرماد. كانت تؤمن أن تعز تستحق أن تكون جميلة، رغم كل ما فيها من وجع.
لكن في صباح يوم خريفي، وبينما كانت تمر بسيارتها في جولة سنان، اخترقت رصاصات مجهولة نافذة الأمل، وأسكتت صوتًا كان يهمس للمدينة: “لا تيأسي، سننظفك من الألم”.
من الذي قتل أفتهان؟
لا أحد يجيب … لا بيان رسمي، لا جهة تعترف، لا تحقيق يكشف الحقيقة. فقط دم على الإسفلت، وصمت يلف المدينة. هل كان اغتيالًا سياسيًا؟ انتقامًا شخصيًا؟ أم مجرد عبث في زمن فقد فيه الموت معناه؟
الناس بكوا، العمال توقفوا، الشوارع اتسخت من جديد. ليس لأن النظافة غابت، بل لأن الروح التي كانت تحركها قُتلت.
إرثها لا يُغتال :
رغم أن الرصاص أنهى حياتها، إلا أن أفتهان تركت ما هو أقوى من الموت: أثرًا. كل زهرة زرعتها، كل شارع نظفته، كل عامل شجعته، كل طفل ابتسم لها… كل ذلك صار شاهدًا على أن النقاء يمكن أن يوجد حتى في أكثر الأماكن ظلمة.
أين الضمير؟
أفتهان لم تكن مسؤولة فاسدة، ولا صوتًا مزعجًا في ساحة الصراع. كانت امرأة تؤمن بالعمل، بالكرامة، بالنظافة، بالحياة. اغتيالها ليس فقط جريمة ضد شخص، بل ضد فكرة، ضد الأمل، ضد كل من يحاول أن يصنع فرقًا في هذا البلد المنهك.
في وداعها :
نودعك يا أفتهان، لا كضحية، بل كرمز. نودعك ونحن نعلم أن تعز خسرت قلبًا كان ينبض لها. لكننا نعدك أن صوتك لن يُنسى