مطارح نخلا والسحيل، انبعاث الروح اليمنية من جديد

محمد نبراس العميسي:

لم تكن مأرب حدثاً عابراً في مسار الحرب بين اليمنيين وعصابة الحوثي، ولم تكن مجرد مدينة قاومت هجوماً عسكرياً وانتهى الأمر. مأرب كانت لحظة فاصلة أعادت تعريف معنى الصراع برمته.

حين اجتاح الحوثيون صنعاء، ابتلعوها بسهولة مذهلة، ثم تمددوا في مدن أخرى بنفس اليسر. ظنوا أن اليمن صار بين أيديهم، وأن المعركة انتهت. كانت نشوتهم أكبر من حجمهم، وكانوا يتهيأون لابتلاع مأرب كما فعلوا بغيرها. غير أن ما لم يحسبوا حسابه هو أن مأرب لم تكن مجرد مدينة، بل كانت آخر ما تبقى من الروح اليمنية حية تقاوم.

مقالات ذات صلة

في نخلا والسحيل، تشكلت المطارح. لم تكن ثكنات عسكرية معدة مسبقاً، بل تجمعات شعبية خرجت من الأرض بوعيها الفطري. رجال القبائل، البسطاء الذين يعيشون على حافة الصحراء، قرروا فجأة أن هذه الأرض لن تُؤخذ. لم تكن لديهم الإمكانيات، ولم يتكئوا على قوة دولية، كانوا يملكون فقط إيمانهم بأنهم إذا تركوا مأرب تسقط فلن يبقى لهم وطن ولا معنى للحياة.

كان الحوثي يظن أنه ذاهب ليقطف نصراً جديداً، لكنه اصطدم بجدار آخر. هناك، في تلك الرمال، نهضت مأرب لتقول لا. “لا” لم تكن شعاراً ولا خطاباً سياسياً، بل كانت فعل حياة. كانت لحظة انبعاث جمهورية كادت أن تختفي تحت هجمات الإمامة.

الحقيقة أن المطارح لم تنقذ مأرب وحدها، بل أنقذت اليمن من السقوط الكامل. فمنذ تلك اللحظة صار ميزان الحرب مختلفاً. لم يعد الحوثي هو القوة التي لا تُهزم، وصار اليمني البسيط يؤمن أن باستطاعته أن يقف في وجه آلة الموت المدججة بكل شيء.

مطارح نخلا والسحيل لم تكن مجرد خطوط دفاعية، بل كانت مدرسة أعادت تعريف معنى الدفاع عن الأرض. هناك فهم الناس أن الصراع ليس على مساحة جغرافية، بل على حقهم في أن يظلوا أحياءً بكرامة، أن يحتفظوا بآخر ما تبقى من الجمهورية، أن لا يُكتب تاريخ اليمن كله في غرفة مظلمة داخل كهف.

لقد أعادت مأرب لليمنيين ثقتهم بأنفسهم. جعلتهم يكتشفون أن التاريخ لا يُكتب في القصور ولا عبر الصفقات، بل في العراء، حيث يقرر رجالٌ عاديون أن يكونوا أكبر من لحظتهم. ومن هنا بالذات بدأت الحكاية تتغير.

واليوم، مأرب لم تعد مجرد خط دفاع، بل صارت ملاذاً حقيقياً لليمنيين من كل حدب وصوب. احتوائها للمهجرين والنازحين أعاد الروح الوطنية إلى وطن منهك، وجعلها نقطة التقاء لكل اليمنيين الذين اتفقوا على أن مواجهة الحوثي ليست خياراً، بل واجب وطني. الإجماع على قتال العصابة هو رسالة واضحة لكل الداخل والخارج: اليمنيون موحدون في الدفاع عن أرضهم، وعن حقهم في الحرية والكرامة، ومأرب اليوم رمز هذا الإجماع وعنوانه الحي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى