مصدر الغضب ونموذجي الدفاع عن المجتمع

وسام محمد:
لو كانت الاحداث الكبيرة تقاس بالعوامل المباشرة، لكانت جرائم وأحداث أخرى قد صنعت أكثر مما نشاهده اليوم في تعز. لكن هناك عوامل متعددة بعضها قديم وبعضها يتصل باللحظة الراهنة بتشعباتها المرئية وغير المرئية، وهناك عوامل تتصل بالمستقبل. محاولة حصر الجريمة بأضيق نطاق ممكن هي وظيفة محامي الدفاع عن القاتل او صاحب المصلحة في أن تأخذ الامور بعد أحادي.
من الممكن اعادة هذا الغضب الى سنوات مضت، حينما تعرض قادة عسكريون وقادة جبهات وجنود عاديون ومئات المدنيين للتصفية بطرق مشابهة، ثم تجاوزها الناس لوجود ملابسات او ظروف محددة أو حتى على أمل أن يحدث التحسن لكن هذا التحسن لم يحدث.
على أن بعض الحوادث عندما تقع تكون بمثابة تكثيف لكل ما سبقها وللمستقبل الذي يبدو موحشا لحظة وقوع الحدث. وهذا ما تمثله جريمة إغتيال افتهان المشهري.
لم تبنى مؤسسات احترافية حتى اليوم، ليس هناك توجه للقبض على المطلوبين والقتلة، لم تتطبع الحياة في المدينة، لم تتوفر الخدمات الاساسية وقبل شهر فقط كان هناك أزمة مياه خانقة. ليس هناك أفق يتعلق بالمستقبل. مثلا لو كان القائمين على مدينة تعز عندهم فقط مجرد هم اتجاه الواقع وضرورة تغييره، لكان النموذج الذي جسدته افتهان المشهري، هو الشيء الذي سيجذب اهتمامهم وسيحيطونه بالرعاية. لكن مثل هذا الهم غير متوفر، لهذا حتى الشكاوي والمذكرات الرسمية لم تحظى بأدنى اهتمام، وعندما وقعت الجريمة تأكد غياب هذا الهم أكثر، لم يقبض حتى الآن على القتلة، ولم تظهر مبادرات سياسية او مواقف من قبل من يحكمون تعز يمكن التوقف أمامها. فقط تهرب من تحمل المسئولية وكيل الاتهامات والغمغمة حول المؤامرات وهذا يخبرنا الكثير عن المستقبل في حال تسامحت الناس مع بقاء هذا الوضع.
الرفض والغضب من الممكن أيضا أن يوضح أن شرعية القائمين على هذا الوضع لم تعد متوفرة. وهي شرعية قائمة في الاساس على أن تعز تعيش حالة حرب وهناك من يدافع عنها ويحمي الناس من العدو المتربص على حدودها من ٣ جهات. لكن هؤلاء القائمين لا يظهر عليهم أنهم يقومون بذلك. ليس هناك حديث عن استكمال معركة التحرير، ليس هناك نقاش عن كسر الحصار، لا وجود لانضباط وتطهير تشكيلات الجيش من أصحاب السوابق والمطلوبين أمنيا. بل كان آخر شيء سمعنا عنه ويتعلق بالجيش، هو الاستيلاء غير القانوني على ضريبة القات بحجة ان مخصصات الجبهات قد توقفت. ورغم أن التجاوز في حال سلمنا بأن الجيش بلا مصاريف من الممكن تجاوزه، لكنه يظل في النهاية تجاوز للقانون، وعندما يقوم القادة بذلك، فهم يشجعون افرادهم على نفس السلوك. وللغرابة فيما كانت افتهان المشهري تبذل وسعها من اجل انتزاع الايرادات الخاصة بصندوق النظافة بطرق قانونية وبكد وتواجه المخاطر لتعزيز قدرات الصندوق والعمل من اجل رفع النفايات وتخليص الناس من الأوبئة، في الوقت الذي يلجأ الجيش لأبسط الطرق وأسوأها للحصول على موارد. حققت افتهان في عامين طفرة في تنمية هذه الموارد وحسنت من أوضاع منتسبيها، وبدأت تعد الدراسات لبدء العمل على مشاريع نوعية قائمة على حق المجتمع في بيئة نظيفة، بينما الجيش يشتكي من أنه لا يجد المصروفات اليومية، والجندي راتبه لا يساوي كيس دقيق وخلال ١٠ أعوام لم يجد حلا لذلك واذا كان هذا صعب ويتجاوز قدرات القادة، فإشكالية القتلة الفارين والمحتمين بالجيش لم تحل أيضا، وهو شيء في المتناول.