سبتمبر يغتال الأحلام

كتب : مجيب عساج:
لا أعلم لماذا يختار سبتمبر أن يكون سكين مدينتي، هذا العام شهر الاغتيالات الباردة للأحلام، لم يكن مجرد شهر في التقويم ، بل كان وحشًا يزحف بخطوات ثقيلة ليترك وراءه رمادًا، حزناً.
اليوم، وبينما الشمس تستسلم لخيوط الغروب المهزومة، ايضًا مدينتي تستسلم وتدفن الأمل ؛ دفنت افتهان
المدينة، يا رفاق، لم تعد حيزًا جغرافيًا لقد تحولت إلى أرشيف الأشباح؛ تراهم الآن، يقفون عند كل باب مهجور، شهودًا صامتين على ما كان يمكن أن يكون.
لقد تغلغل المــ..ــوت في مدينتي، لا كحدث بيولوجي، بل كـفلسفة وجود، أصبحنا نعيش في ظل تخييم الموت، حيث لا يمر يوم دون أن نفقد فيه رمزًا، أو وعدًا، أو فكرة عن المستقبل.
اليوم رحلت افتهان. لم ترحل كفرد، بل كدلالة، كاستعارة للأمل الذي يُقتلع من جذوره. ومع دفنها، اكتمل مشهد التنازل الجماعي عن الغد.
لقد تمدد المــ…ــوت في هذه المدينة ليتجاوز معناه البيولوجي؛ أصبح هو الإطار المرجعي لكل ما هو حي، نحن نعيش في زمن الموت، حيث يُعاد تعريف الحياة يوميًا كـفقدان متواصل، المدينة تفقد كل يوم حلمًا، أي أنها تفقد جزءًا من إمكانية مستقبلها. هذا الإهدار ليس عارضًا، بل هو جوهر المرحلة. ورحيل افتهان اليوم ليس حدثًا، بل هو رمزٌ وجودي؛ إثبات قاطع على أن النهايات ليست مجرد نقطة، بل هي دائرة مفرغة تبتلع كل محاولة للبداية. ذهبت، وأخذت معها شهادة ميلاد الغد الذي كنا نتصوره.
انظر إلى أجيالنا؛ عيونهم لم تعد ترى الألوان، بل هي تستوعب فقط درجات الحزن. لقد سُلب منهم الممكن سُرق الحلم، الذي هو وقود الفعل البشري، والمستقبل الذي هو امتداد الذات، كل ذلك تحول إلى هشيم، فتات يذروه عبث الرياح على عتبات المدينة التي أعلنت استسلامها.
نحن نرزح تحت قسوة ليست مادية وحسب، بل قسوة الإدراك. إدراك أننا محاصرون في واقع لا يقدم حتى الوهم كسلعة، حتى الحلم، الذي هو أسهل أشكال المقاومة العقلية، أُعلن عنه هنا بأنه مستحيل، لا يمكن إدراكه، لا يمكن فهمه، ناهيك عن تحقيقه.
هكذا أصبحت مدينتنا وعاء ضخماً يُصب فيه الحزن يومياً، ونحن نقاوم، لا لنعيش، بل لنشهد على هذه الفاجعة المستمرة.