القائد الذي بكاه الزعيم العربي جمال عبدالناصر

رواها 360
توفيق علي الصبيحي
بطل الاستقلال الإستثنائي القائد الفذ (الشهيد فيصل عبد اللطيف الشعبي الصبيحي)
ولد فيصل في وادي شعب الصبيحة العام 1939م.
وأنا أكتب عن الشهيد فيصل عبد اللطيف الشعبي دماء كثيرة أزهقت لمكافحين تاريخيين حالمين ومؤثرين كان يعول عليهم في إحداث نقلة معتبرة في الوعي السياسي للبلد والسبب مواقف متطرفة بين رفاق الدرب الواحد إضافة إلى عدم إمعان العقل في اختلافاتهم بينما الحل للمشكلات لا يكمن أبداً في الإقصاء والعنف.
يعد فيصل عبد اللطيف واحدآ من أهم الأسماء الريادية الفذة في الكفاح الوطني تعتز بهم الأجيال تمامآ ، ذهب ضحية للفهم الخاطئ، وفي مرحلة كان الصخب فيها عاليآ للأسف غير أنه لا يمكن القفز على التاريخ بالطبع أو حتى الاحتيال عليه باختيار ما يسوغ تحيزاتنا ، بل إنه يجب عند استدعاء وقائع التاريخ عدم التحيز على الإطلاق ،مع وجوب إنصاف الضحايا بالضرورة ، وتقدير ادوارهم الخالدة التي تم نسيانها أو تحييدها.
كانت الفترة التي قضاها فيصل في مصر هي الأكثر عمقآ في حياته ويتفق جميع من عرفوه بأنه كان يتمتع بنباهة قوية وبراعة خلابة وقدرة استثنائية في التفكير السياسي ، وفي الخمسينيات انخرط في تنظيم حركة القوميين العرب كما تألق كقائد سياسي جسور فيه مؤمنآ بقضية التحرر من الاستعمار والاستبداد ، كانت شقتة خلية نحل للحركيين من عدة بلدان عربية يمارسون فيها قراءاتهم ومناقشة همومهم القومية الواحدة ، وقد ازداد سطوعآ بين رفاقه حينها ، كما أنه أثناء العدوان الثلاثي على مصر كان أحد المتطوعين من الطلاب اليمنيين في المقاومة الشعبية ببور سعيد.
عند عودته سرعان ما أسس فرعآ لحركة القوميين العرب في اليمن والجزيرة العربية ، وبشكل خاص كانت مهمته الإعداد لثورة الجنوب ، لكنه قبل ذلك كان يتردد لهذا الغرض على مدينة عدن أثناء العطلات الصيفية ،بينما كان يختار أصلب العناصر وأكثرها نضجآ في الوعي السياسي.
إنه الحركي الأول والقائد الفذ ،في حين أن أبرز قادة الخلايا الأولى للحركة في اقليم اليمن هو من قام بتنظيمهم. كذلك كان فيصل بارعآ في الاستقطاب والتأثير ، كان فيصل ورفاقه يؤمنون أن أي تغيير في الشمال يخدم الجنوب ، وكان فيصل على رأس الذين وجهوا العديد من الحركيين من أبناء الجنوب للدفاع عن الثورة في الشمال بمجرد اندلاعها.
ترأس فيصل قيادة حركة القوميين العرب في الجنوب إذ ترأس قيادتها في الشمال سلطان أحمد عمر وعندما اندمجت المرتبتان القياديتان في قيادة موحدة لإقليم اليمن كانت القيادة لفيصل عبد اللطيف والنائب سلطان عمر.
على أن معظم رفاق فيصل في الحركة والجبهة كانوا يعتبرونه قائدهم الأول رغم فارق السن بينه وبين الرئيس الشهيد قحطان الشعبي الذي كان أول قائد أعلى في الجنوب بعد الاستقلال (رئيسآ للجمهورية).
كان قحطان لاجئآ في القاهرة بعد أن خرج من عدن عبر لحج وتعز إثر اكتشاف البريطانيين لنشاطه وكان في الرابطة، وفي القاهرة انضم إلى حركة القوميين العرب على يد فيصل بعد الانفصال من الرابطة جراء انحرافها عن المبادئ والاهداف القومية.
كان قحطان الشعبي يتحمل العبء في التحضير لثورة الجنوب ، بينما كان يدير الحوارات والمشاورات من مصر مع رفيق دربه فيصل بمجرد اندلاع الثورة في شمال الوطن ضد الإمامة لإقناع الزعيم عبدالناصر وإعلان جبهة قومية تتصدى للكفاح المسلح ضد الإستعمار.
وفي فبراير 1963م عادا إلى صنعاء حيث انعقد لقاء عام برئاسة الزعيم قحطان حضره مئات الشخصيات من أبناء الجنوب من مختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم تحت إشراف حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي حيث نتج عنه تشكيل لجنة تحضيرية برئاسة قحطان الشعبي الذي صار له نفوذ اجتماعي واسع من أجل قيادة الكفاح لتحرير الجنوب المحتل ، واتفق الجميع على تشكيل جبهة مسلحة، كما عين قحطان بضغط من الحركيين مستشارآ للرئيس عبد الله السلال لشؤون الجنوب.
فقد تحمل قحطان مع زميل كفاحه ناصر السقاف وعلى مسؤوليتهما الشخصية كتابة ونشر البيان الأول للجبهة القومية ، وحينئذ أصدر القائد فيصل عبداللطيف بيانآ باسم فرع الحركة يبارك ما جاء ببيان الجبهة ، وقام قحطان الشعبي بتمويل قافلة إغاثة للمقاتلين بردفان الذين كانت القوات البريطانية قد نجحت في محاصرتهم وذلك في يناير 1964م.
عقبها تفرغ القائد الفذ فيصل عبداللطيف للكفاح المسلح في عدن وعندما انكشف تعين بعده في قيادة جبهة عدن نورالدين قاسم أستشهد في 1973م فيما عرف بطائرة الدبلوماسيين.
والشاهد أن الجبهة خاضت ملاحم مشهودة في الارياف والمدن وبالذات عدن فلقد جابهت العملاء والاستعمار وقدمت تضحيات كبيرة من الشهداء والمعتقلين والجرحى الذين صنعوا النصر.
عقب هزيمة العرب في 5 يونيو 1967م كادت تنتكس نفسية فيصل عبداللطيف الشعبي إلا أنه بعد اسبوعين فقط ساهم بشدة في انتفاضة طلاب مدرسة الأمن بمساندة ضباط وجنود الأمن والجيش على قوات الاستعمار بحيث خاضوا معارك شرسة بقيادته أسفرت عن الإستيلاء على مدينة كريتر.
بذل القائد فيصل الذي صار بنفوذ تنظيمي واسع دورآ كبيرآ لحل الخلافات وكان مع درء الحس المؤامراتي التدميري وعدم القبول بتحريضات الرفاق ضد بعضهم ، وكانت طبيعة فيصل ضد الأعمال المنفردة وضد الانجرار إلى مواقف لا يرضاها كل طرف ، كان ضد العداء المباشر للدول ودول الجيران تحديداً لأن هذه العداوات لا تنم عن سياسة وديبلوماسية ووعي بالتاريخ وبالجغرافيا كما أنها لن تصب في المصلحة العليا والمستقبلية للدول الوليدة ،
الثابت ان فيصل كان انموذجآ رفيعآ كانسان وكقائد إذ كان زاهدآ عن السلطة كما يجمع كل من عرفوه ، كذلك كان اعتداده بذاته جزءآ رئيسآ من كرامته التي لا يساوم فيها ولا يمكن أن يخضعها للابتزاز أو الاساءات،
كان يمسك العصا من المنتصف ولا يريد للمخاطرات أن تنسب مخالبها وأنيابها في الجميع ومن الطبيعي القول أن هناك من كان يؤجج الوضع حتى خرج عن السيطرة إذ بينما كان فيصل يترسخ لدى الجميع كضامن للم الصدع بصفته محافظآ على المسافة اللائقة التي رآها مناسبة له من كل طرف ، ازداد الانشقاق بين الرفاق لتنكشف الاحتكاكات السيئة بين الجناحين وصولآ إلى المصادمات المسلحة التي تفاقمت ذروتها في 22 يونيو 1969م.
اعتقل فيصل وهو بكامل مجده ولم يكن أحد يتوقع اعدامه ابدآ بينما ظل الرئيس قحطان رهن الاعتقال لسنوات حتى استشهد لكنها السابقة الخطيره التي فتحت شلال الدم والأسى.
كان لفيصل عدة مقترحات توفيقية لم يستوعبها أحد كما ينبغي كان له وجهة نظر مثلما كان لمن يناوئونه من الطرفين وجهتا نظرهما أيضاً لكنها الدوافع البشرية كما هو معلوم تقودنا إلى حماقات مرعبة وهي وحدها كدوافع بشرية يحدث أن تجعلنا نرتقي على الاخفاقات ونسمو عن السير مرة أخرى في أي طريق له أن يؤدي لها مجددآ (هذا ما يجب ).
إن فقدان الحركة الوطنية مبكرآ لفيصل عبد اللطيف الشعبي فقدان لا يعوض ما بالكم وقد اثبتت الأيام أنه لم يكن مخطئآ في أغلب تصوراته الثاقبة والحكيمة ثم أن المجتمعات المحترمة لم من أزماتها البنيوية العميقة إلا بعد استيعابها لقيمة عدالة الإنصاف والتسامح والتصالح ، فالتاريخ مرايا الشعوب للإيجابيات والسلبيات وذاكرة التاريخ للعبر بحلوها ومرها.
ولئن كان فيصل عبد اللطيف وسيظل بمثابة بطل خالد ودرس قيمي وأخلاقي يستوعب ، فإن ما تعرض له والرئيس قحطان في تلك الحقبة الضارية وصمة عار كبيرة في جبين من لا يزال غير شاعر بها .
الخلاصة أن الأحلام العظيمة تحتاج إلى مناهج راجحة لا إلى مجرد احتمالات غير موضوعية وغير حيوية بالغة التهور.
وفي السرديات السريعه عن شخصية كشخصية القائد الشهيد فيصل عبداللطيف الشعبي الصبيحي نبدي قلقنا وحزننا لاشك من نتائج الأمور الاقصائية الضارية التي كانت سائدة في ما مضى بينما لا تزال إلى اليوم تلقي بتأثيرها للأسف ، والمعنى أنه يجب علينا جميعاً الإيمان التام بأن مرحلة المكاشفة والإنصاف للشخصيات العظيمة التي ظلت منسية أو مهملة هي مرحلة مهمة من تطور المجتمع عبر تقدم الوعي السياسي للنخبة بالذات ضدا من التضليل والحجب وسوء التقدير الذي مازال قائمآ على نحو غير مشرف ضد العديد من الشخصيات الكبيرة في تاريخ اليمن المعاصر.