فقاعة الذكاء الصناعي: كيف يمكن لاختراق تقني واحد أن يهوي بالاقتصاد العالمي

عصام أحمد عبده
تم إرسال رسالتك
الذكاء الصناعي ليس أداة تقنية وحسب ، إنه الحدّ الفاصل بين ثورتين: ثورة إنتاجية تغير وجه العالم، وفقاعة مالية تهدد بإعادة تشكيل النظام الاقتصادي برمّته.
فبينما يتسابق العالم لتبني “العقل الاصطناعي”، تتصاعد أصوات التحذير من أن ما يحدث اليوم هو أكبر تضخيم للقيمة منذ فقاعة الإنترنت مطلع الألفية — بل أخطر، لأن هذه المرة الفقاعة مموّلة بأموال مطبوعة لا بمدخرات حقيقية.
أولًا: فقاعة بلا أرباح
منذ أربع سنوات، لم تحقق أي من شركات الذكاء الصناعي الكبرى أرباحًا حقيقية.
بل إن معظمها لم يصل حتى إلى تغطية 25% من نفقاتها التشغيلية، رغم النمو الخيالي في قيمتها السوقية.
كل الإيرادات التي تُحصّل تُعاد استثمارها — بعشرة أضعاف — في بناء مراكز بيانات جديدة وشراء بطاقات معالجة باهظة (GPU) وتوسيع البنية السحابية.
بكلمات أوضح:
“ما يُنتج اليوم من ذكاء صناعي لا يغطي حتى فاتورة الكهرباء التي تستهلكها مراكزه.”
ثانيًا: التقييمات الوهمية للموردين
شركات مثل NVIDIA وOracle وSuper Micro Computer أصبحت المستفيد الأكبر من الطفرة، لأن نماذج التقييم المالي تتوقع لها تدفقات إيرادات ضخمة على مدى عشر سنوات قادمة.
لكن هذه النماذج تفترض — بخطأ قاتل — أن البنية الحالية للذكاء الصناعي ستبقى كما هي.
ما يغفلونه هو أن التكنولوجيا لا تسير بخط مستقيم، بل بقفزات.
تمامًا كما فاجأ نموذج DeepSeek الصيني العالم بخفض تكاليف التدريب بشكل جذري، يمكن لأي اختراق جديد أن ينسف فجأة مبرر هذه التقييمات، ويحوّل أسهم الشركات المزدهرة اليوم إلى بالونات فارغة غدًا.
ثالثًا: الفخ النقدي — 7 تريليونات دولار من السيولة المتفجرة
بعد جائحة كورونا، ضُخّت أكثر من 7 تريليونات دولار في الأسواق العالمية عبر برامج التحفيز والتيسير الكمي.
لكن هذه الأموال لم تُترجم إلى إنتاج حقيقي، بل تحولت إلى موجات من المضاربة في قطاع التقنية، خصوصًا الذكاء الصناعي.
بمعنى آخر:
“الذكاء الصناعي إلى جانب انه ثورة معرفية، أيضاً هو قناة لتصريف السيولة الزائدة.”
وهذا ما يجعل الفقاعة أخطر من سابقاتها — لأنها مرتبطة مباشرة بالنظام النقدي العالمي لا بقطاع تقني معزول.
رابعًا: كيف يمكن لاختراق تقني أن يفجّر الاقتصاد
لو ظهر نموذج جديد يقلّل من كلفة التدريب إلى عُشرها مثلًا — سواء عبر خوارزميات أكثر كفاءة أو عتاد بديل عن الـGPU — فإن كل نماذج التقييم المالي الحالية ستنهار.
تقديرات الإيرادات المستقبلية ستتغير، وأسعار الأسهم ستعيد تسعير نفسها في غضون أيام، مما قد يؤدي إلى:
- انهيار سلاسل التوريد التقنية.
تراجع حاد في مؤشرات الأسواق.
اهتزاز الثقة بالقطاع المالي، تمامًا كما حدث مع الرهن العقاري عام 2008.
خامسًا: ما بعد الانفجار
الجانب المظلم في فقاعة الذكاء الصناعي أنها تبدو مثالية جدًا لتنهار.
فهي تجمع بين:
إبهار معرفي يشبه السحر،
وإنفاق بلا عائد،
وتقييمات مبنية على المستقبل لا الحاضر.
وعندما تنفجر، لن يكون الضرر محصورًا في أسهم التقنية، بل سيمتد إلى النظام النقدي نفسه — لأن السيولة التي غذّت الفقاعة هي ذاتها التي تحافظ على استقرار الأسواق اليوم.
الذكاء الصناعي فرصة ذهبية للبشرية، لكنه أيضًا مرآة تعكس جنون الطموح البشري.
إنها ليست فقاعة “تطبيقات” كما في عام 2000، بل فقاعة بنية تحتية عالمية تمسّ الطاقة والرقاقات والبيانات.
وربما يحتاج العالم إلى “ديب سيك” آخر — لا ليبتكر نموذجًا أذكى، بل ليوقظ المستثمرين من حلمٍ كلفتهم 7 تريليونات دولار.