يا مهرة الشرق..تاج الضوء ووشاح المطر

مازن الشعبي:
لا حيلة لي أمام هذه المهرة، فهي إن أرادت، جعلت من الصخر وترًا، ومن الصمت أغنية.
كلّما حاولتُ أن أحتفظ بشيءٍ من سكوني، باغتتني بنسمةٍ من سحرها القديم، فهتفتُ في نفسي: “يا لهذه الأرض التي لا تُحبّ نصف حب، ولا تُرى نصف رؤية!”
ها هي حوف تلوّح لي من علياء الغيم، تسكب المطر على كتفها كعطرٍ سماويٍّ قديم، وتهمس:
«ودّي أطرحك في كفّي يا خاتم غريب الشكل تام،
وأسلبك على كتفي يا ميزر دقيق الصنع سام..»
وفي عمق الغيضة، يتنفس البحر بهدوء كأنه يُصغي إلى خطبة الحياة، وتتعانق المآذن مع الموج في نغمةٍ من الطمأنينة والسكينة. هنا تُكتب القصائد على صفحة الريح، ويُعلّق الدعاء على شرفات الأمن، حيث يقف القائد اللواء الركن محسن مرصع، حارس الحلم، وصوت العقل، الذي جعل من الأمن لحنًا وطنيًا، ومن القيادة قصيدةً تتلى كل صباح.
هو الرجل الذي لا يحتاج إلى ضجيج ليُثبت حضوره، لأن الأرض تشهد، والميدان يشهد، والناس قبل الجميع يشهدون.

وفي الجهة الأخرى، هناك وجهٌ آخر من الحكمة: الأستاذ محمد علي ياسر — محافظ المهرة، الذي يسير على خُطى السكينة، يزرع في كل خطوة ضوءًا، وفي كل قرار حياة. في حضرته تتوازن الكفّتان: بين الحلم والواقع، بين الحزم والرأفة. هو الذي أعاد تعريف القيادة: ليست سلطة فوق الناس، بل مسؤولية معهم. تُراه في الغيضة بين أهلها، في الصحراء بين أبنائها، وفي البحر حين يُسافر الحلم نحو الأفق.

ثم يطلّ الأمين العام سالم نيمر، ذلك القلب النابض بالعطاء، والرجل الذي يُمسك بخيوط التفاصيل الصغيرة ليصنع منها لوحة كبرى. هو المهريّ في طبعه، الصادق في وعده، الذي لا يتكلم كثيرًا، لكن أفعاله تُحدّث عن وطن يتنفس العزّة بعمل الرجال.
يا مهرة الحُسن والدهشة،
كم مرّة حاولت أن أصفك، فعجز الحرف وارتجف اللسان؟
هل يُوصف الجمال حين يتجاوز الحواس؟
هل تُحكى أرض حين تتنفس الشعر وتتكلم بلغة المطر؟
فيك تُولد القصائد من رحم الرمل، وتغتسل الأغاني بنور البحر.
فيك الشاعر طفل أبدي، يلهو بين أشجار حوف، ويتنفس هواء نشطون، ويتأمل حركة شحن على طول السواحل، ويُدوّن شوقه على صفحة الموج في صرفيت.
فيك نحب، ونغار، ونفتخر.
نحبك يا المهرة، نجلك كثيرًا،
هوانا يجري حواليك يلف الموج لفًّا،
وهذا الجبل من فوقنا يشهد،
وتشهد لي الكهوف،
دائمًا في الوجدان،
والطيف في عيوني مليتِه بنورك،
وفضّلت أنا حائرًا من كثرة نطورك،
يا كامل وصوفك..
سلام على المهرة حين تتحدث،
سلام على محمد علي ياسر حين يُعيدها وطنًا يتنفّس بالعدل،
وسلام على محسن مرصع حين يجعل من الأمن سكينة تمشي على الأرض،
وسلام على سالم نيمر حين يجعل من التفاصيل أناقة العمل وإتقان النوايا.
يا مهرة،
يا نغمة تفيض من الشرق على الذاكرة،
كلما ناديتك، أجابتني الأرض:
“هنا الولاء لا يُقال، بل يُعاش،
وهنا الحب لا يُكتب، بل يُورّث”.





