العدالة الحقيقية تبدأ من عند مساءلة كل من مكن الجاني من حمل السلاح باسم القانون واستخدامه ضد مواطن

أكرم سعيد الشرجبي:

لم تعد جريمة مقتل المحامي الشاب عبدالرحمن النجاشي مجرد واقعة جنائية عابرة يمكن احتواؤها بتوقيف الجناة المباشرين ، فالحادثة بما تكشف عنه من تداخل نفوذ قضائي وأمني واستخدام مؤسسات الدولة لتصفية نزاعٍ شخصي ، تعكس خللاً بنيوياً خطيراً في منظومة العدالة والأمن.

إن الاكتفاء بـ”ضبط الجناة” لا يكفي أمام جريمة تتورط فيها السلطة ذاتها عبر أفراد من الشرطة تصرفوا كسلاحٍ بيد قاضي خارج أي مسوغ قانوني وبمعزل عن إجراءات النيابة العامة

هذه الواقعة اظهرت أن السلاح الرسمي حين ينفلت من ضوابطه القانونية يتحول إلى أداة قمع لا تختلف عن سلاح العصابات ، وأن صمت القضاء في مواجهة هذه التجاوزات يعني بالضرورة تواطؤاً مع الجريمة لا حياداً أمامها.

إن الخلل الذي كشفت عنه الجريمة أعمق من الرصاصة التي أنهت حياة المحامي الشاب عبدالرحمن النجاشي ، فهو يطال أساس فكرة الدولة وهيبة القانون وحق المواطنين في الحماية والمساواة أمام العدالة ، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يثق في قضاء يتورط بعض أفراده في نزاعات شخصية أو في جهاز أمني يُستخدم كذراعٍ لخصومات خاصة.

والمطلوب اليوم ليس فقط ضبط الجناة ومحاكمتهم في هذه الجريمة النكراء – مع التأكيد على أن هذا مطلب أساسي لا يمكن التنازل عنه – بل يجب أيضاً مراجعة وهيكلة المنظومة الأمنية والقضائية على نحو يضمن استقلالها المهني ويمنع تداخل الصلاحيات والنفوذ ويعيد ضبط العلاقة بين أجهزة الضبط القضائي والنيابة العامة.

فما لم تُفتح هذه الجريمة كملف شامل يسائل القاضي الذي استدعى القوة الأمنية خارج القانون والقيادات الأمنية التي سمحت باستخدام السلاح في نزاع مدني ، فإننا أمام إفلات جديد من العقاب ، يشرعن لجرائم قادمة تحت مظلة الدولة نفسها.

إن العدالة الحقيقية لا تبدأ عند القبض على القاتل فقط ، بل عند مساءلة كل من مكنه من حمل السلاح باسم القانون واستخدامه ضد مواطن أعزل ، فحين يتحول القاضي إلى خصم والشرطي إلى منفذ لتوجيهاته فإن الجريمة لم تعد مجرد انتهاك فردي بل جريمة دولة تنذر بانهيار ما تبقى من ثقة الناس في مؤسساتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى