هل تعرفون ماذا يعني جرحى الحرب

د. لمياء الكندي:

إلى من أهملوا ملف جرحى الحرب، إلى من أضاعوا حقوق جرحى الحرب، إلى من نهبوا موارد  جرحى الحرب، إلى الذين لا يرون أصلًا أن هناك مشكلة تتعلق بجرحى الحرب، ويديرون ظهورهم لمئات الاعتصامات والاحتجاجات والمطالب والوقفات التي أقامها مبتورو الأطراف والأعضاء، ليكن في علمكم: القصة لن تنتهي عند مشاعر القهر والوجع والشعور بالخذلان، ولا عند معايشة الفقر والألم.

إن هذا الإهمال يفتح أمامكم باب الهزيمة المزرية، ليس فقط أمام جحافل الكهنوت الحوثي، بل إنكم تصنعون هزيمة أمام الأعداء والأصدقاء، أمام التاريخ والحاضر والمستقبل.

تهزمون في الداخل، وتهزمون في الخارج، ستحلّ عليكم لعنة الجرحى، لأن أنين وجعهم الحي ما زال يشقّ كبد السماء، وواصلٌ إلى الله في أعلى ملكوته.

هل تعرفون ماذا يعني جرحى الحرب؟

وماذا يعني التسلط والتحايل والنهب والنكران في حقّهم؟

إنهم يا قادة، ليسوا مجرد ذكرى لقدامى محاربين يصطفّون لأخذ صور تذكارية، وليسوا جرحى حروبٍ قديمة خذلتهم الدولة واستغنت عنهم نتيجة ضعف ذاكرة أو تقلبات سياسية، أو لأنهم بقايا حرب عفا عليها الزمن.

هؤلاء يا قادة، جرحى حربٍ لم تخمد نيرانها بعد، وما زالت ساحات اعتصامهم تستقبل جريحًا جديدًا كل يوم.

هؤلاء جرحى حربٍ لم تجف خيوط الجراحة على أجسادهم المرقعه بعد، وما زالت ندوب الوجع وتراكماته تنطق منهم.

ما زالت ضماداتهم ترتوي من نزيف دمائهم، وما زال رفاقهم في جبهات القتال يقاتلون ليأخذوا بثأرهم، وما زال الجرحى يستعجلون التعافي ليأخذوا بثأر رفاقهم الذين استُشهدوا.

هل تعرفون ماذا يعني أن يُخذل جريح حرب؟

إنكم بذلك تخذلون جيشًا كاملًا ممن نذروا أنفسهم للدفاع عن الوطن بحسب عقيدتهم، ومن قدّمتموهم للدفاع عنكم بحسب عقيدتكم، يا قادة الدولة!

أيها الكواكب الثمانية التي تدور في فلك آخر، قليلٌ من الحياء تجاه هؤلاء ليس من أجلهم ولا من أجل الوطن أو الدولة، بل من أجلكم أنتم.

أكرموهم من أجلكم:

من أجل مقعد الرئيس، وسلطة النائب، وهيبة القائد، وأناقة السفير، وثراء المهرّبين، وحماية الفاسدين، ونفوذ النافذين، وصولة الأحزاب، ومشيخة الشيوخ.

إن لم تمنحوهم حقوقهم من أجل الوطن، فامنحوهم إياها من أجلكم، ستستفيقون ذات يوم، إذا ما استمرّ طغيانكم كدولة وأحزابٍ محاطة بالفاسدين والمفسدين، على جيشٍ فقد بسببكم عقيدته في الوطن، وفي القيادة، وفي الدولة، وفي الأحزاب، بل وفي جنديّته نفسها، لأنه أصبح جيشًا يبذل أغلى ما لديه ليلقى ابخس مالديكم، ويجد أن شرف تضحيته ارخصتموها عندما اعتلى من لايستحق  مقام المسؤولية فضيّعوا كل شيء.

فوالله، لولا إيمان الجرحى، وإيمان جنودنا في جبهات القتال بعقيدةٍ قتاليةٍ عظيمة وجليلة وثابته  ضد الحوثيين، لما استمرت هذه الحرب ولو كانوا معولين على عقيدة قيادة الدولة والاحزاب لهزموا من اللحظة الأولى.

فصمودهم باقٍ لأنهم يريدون أن يُكملوا الحرب التي اختاروا أن يكونوا جنودًا فيها والوطن الذي أرادوا ان يفتدوه بأعلى ما لديهم.

أما أنتم، فقد اخترتم أن تكونوا جنود المناصب والمكاسب، قادة العار الذين  يرون في الحرب تجارة، وفي المعاناة مكسبًا، وفي مذلّة الشعب سلطة.

أنصفوا جرحى الحرب قبل أن تحلّ عليكم لعنتهم،
يا جرحى الفساد ومجروحي العدالة يا مقعدي القرار، ومسلوبي السيادة من انتم بدون هذا الجيش بدون جرحاه وشهدائه ومرابطيه.

فهل عرفتم ماذا يعني جرحى الحرب يا قادة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى