الضوء لا ينطفئ… والظلام لا يدوم.

د. أمين عبدالخالق العليمي:
فما دام في القلوب ذرة إيمانٍ بالوطن، فلن تهزمها عواصف الزيف، ولا ريح المزايدات، ولا أموال المتاجرين بالمواقف،
في كل زمانٍ ومكانٍ هناك من يرى في الوطن مشروع ربحٍ أو صفقةٍ مؤقتة، يزن الانتماء بميزان المصلحة، ويقيس الولاء بما يدرّ عليه من مكسبٍ أو نفوذ، هؤلاء يجعلون من كل شيءٍ تجارةً، حتى القيم والمبادئ، فإذا صادفوا ربحاً فهم ملائكةُ الوطنية، وإن خسروا لحظةً من مصالحهم انقلبوا شياطيناً ينهشون لحم الوطن بلسانهم،
يُسخّرون الأدوات ويستغلّون الفُرص، يتلاعبون بالحقائق، يخلطون الأوراق، حتى يصير الشريف في نظرهم نذلاً، والنذل شريفاً، والصادق مشبوهاً، والكاذب بطلاً،
يزيّنون الكذبَ بألوانٍ زاهيةٍ من إعلامٍ مأجورٍ أو منابرَ مأججةٍ مؤدلجة، يبيعون أوطانهم بثمنٍ بخسٍ من تحت موائدٍ رخيصةٍ لا يعرفها إلا من باع ضميره وأضاع بصيرته،
لكن الحرّ الأصيل، وإن كان تاجراً، يظلّ يحفظ الأصل، يعرف أن المبدأ رأس المال، وأن الوطن ليس ورقةً في دفتر الحسابات، بل هو كل الرصيد، لايزايد، لايظلل، لايكايد، لايقايض،
الحرّ لا يساوم على أرضه، ولا يقايض على كرامته، ولا يضع وطنه في مزاد المصالح لأنه يدرك أن الوطن إذا ضاع، فلا تجارة تُغني، ولا صفقة تُعوّض، ولا ربحَ يبقى بعد الخسارة الكبرى،
إلى كل من يغترّ ببريق العروض الخفية، أو يُخدَع بالخطاب الملوّن، أو يتبع من يأتيه بوجهٍ بشوشٍ يخفي خلفه خنجراً مسموماً،
تذكّر أن العدو لا يطرق بابك بوجهٍ غاضب، بل بابتسامةٍ ودٍّ زائفة، وأن الخطر لا يأتي دائماً من الخارج، بل أحياناً من أولئك الذين يلبسون ثياب الوطنية وهم في داخلهم تجار الخراب، الذين يصمتون دهوراً، وعند الاقتراب من عش الدبابير، يطلق كل ابر الوخز،
الوطن ليس شعاراً يُرفع عند الحاجة، ولا بطاقةَ تعريفٍ تُستخرج عند المصلحة، الوطن هو الأصل، وهو الجوهر، وهو المصير الذي لا يُباع ولا يُشترى،
فليتذكّر الجميع أن النور مهما حورب لا ينطفئ، وأن الظلام مهما طال لا يدوم،
وأن الحق، وإن غاب في زحمة الباطل، يبقى صوتَه مسموعاً في ضمير الأحرار، وان من ظلمه التضليل، واعلام الدفع المسبق، والمرتزقه، سينصفه الاحرار والرجال والتاريخ،
حافظوا على وطنكم من المتاجرين به، واصنعوا وعياً لا يُشترى، فالوطن لا يحميه السلاح وحده، بل الوعي، والإخلاص، وصدق الانتماء .






