طفولة منسية.. حسن طفل تهامي يقاوم قسوة النزوح بالعلم والعمل

تهامة_ أسعد المقداد لـ”رواها 360″:
في الثانية عشرة من عمره، يعيش حسن بدر حياة لم يخترها، بل فرضتها عليه الحرب التي أجبرته وأسرته على مغادرة منزلهم في مدينة الحديدة.
رحلة النزوح أخذتهم إلى مخيم الجشة في مديرية الخوخة، حيث وجدوا مأوى يقيهم قسوة التشرد، لكنه لم يكن كافيًا ليمنحهم حياة كريمة.
فمنذ أن وطأت قدماه أرض النزوح، أدرك حسن أن عليه أن يصبح رجلًا قبل أوانه، وأن الطفولة قد تكون رفاهية لا يملكها.
رغم كل الصعوبات، يتمسك حسن بحلمه في التعلم، حيث انه كل صباح، يحمل حقيبته المدرسية، ويذهب إلى مدرسته القريبة، يحاول أن يركز في دروسه، رغم أن عقله مثقل بأسئلة لا تليق بطفل في عمره: “كيف سأساعد عائلتي؟ كيف سأوفر لهم لقمة العيش؟” ومع ذلك، لا يسمح لهذه المخاوف أن تطغى على رغبته في التعلم، فهو يدرك أن التعليم قد يكون نافذته الوحيدة لمستقبل أفضل.
ولكن حسن لا ينتهي مع انتهاء الحصص الدراسية.
بعد عودته إلى المنزل، يضع كتبه جانبًا، يتناول وجبة بسيطة إن وُجدت، ثم يخرج حاملًا بين يديه أعواد السواك، متجهًا نحو الأسواق والشوارع المزدحمة، حيث يحاول أن يقنع الناس بشراء ما يعرضه.
يسير تحت أشعة الشمس الحارقة، ينادي بأعلى صوته، يبتسم رغم التعب، فكل قطعة يبيعها تعني وجبة إضافية لأسرته. ورغم أن مدخوله لا يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية، فإنه لا يعرف اليأس، بل يستمر في الكفاح بصمت، كما لو أنه اعتاد على هذه الحياة القاسية.
الخوخة، التي تحولت إلى ملجأ لآلاف النازحين، تبدو وكأنها مدينة تختبر صبر أهلها يومًا بعد يوم.
حسن ليس الوحيد الذي يحمل عبء النزوح، فهناك أطفال كثيرون مثله، أجبرتهم الظروف على ترك ألعابهم ليصبحوا عمالًا صغارًا، يسعون جاهدين لمساعدة أسرهم في مواجهة الغلاء، وغياب الدعم الكافي من المنظمات الإنسانية.
ورغم كل شيء، فإن عيني حسن ما زالتا تلمعان بالأمل. يحلم بأن يكمل تعليمه، بأن يأتي يوم لا يضطر فيه لحمل السواك والتجول بين الشوارع.
يقول بصوت واثق: “أريد أن أصبح معلمًا، أريد أن أساعد الأطفال مثلما يساعدني معلمي الآن”. حلم بسيط، لكنه في واقع حسن أشبه بمعركة تحتاج إلى صبر وقوة، وهما الشيئان الوحيدان اللذان لم يفقدهما بعد.
في كل مساء، يعود حسن إلى منزله الصغير، يُلقي بجسده المرهق على الأرض، لكنه لا ينام قبل أن يفتح كتابه المدرسي، فهو يدرك أن هذا الكتاب هو تذكرته الوحيدة نحو مستقبل مختلف، مستقبل لا يكون فيه مجرد طفل يبيع السواك، بل رجلًا قادرًا على تحقيق أحلامه، رغم كل التحديات.
معاناة الأطفال النازحين: عذابات وظلال الأمل
وفي هذا الصدد يقول عبدالله الطاهري مصور وناشط مجتمعي :”في كل زاوية من زوايا مخيم الجشه، يتجلى واقع مأساوي يختصر معاناة الأطفال النازحين. تلك البراعم الصغيرة، التي تحمل في عيونها بريق الحلم، تجد نفسها مساءً تحت وطأة الظروف القاسية، تعيش واقعًا يثقل كاهلها بأعباء أكبر من أعمارها. ومن بين هذه الأعين، يبرز وجه “علي”، الطفل الذي يجسد قصص آلاف من أقرانه.”
علي، الذي يطمح إلى تعليمٍ يوقد في داخله شغف المعرفة، ينهي نهاره الدراسي متجهًا بخطوات خفيفة نحو السوق، حيث يتحول من تأثير الديناميكية المدرسية إلى عالم البيع والشراء. هناك، بين الأرفف والخضار، محاولًا دعم أسرته في ظل الأوضاع الصعبة. لكن في خضم كل ذلك، تتردد في أذنه وتابع الطاهري:” أصوات الأطفال المتعلمين، وأحلامهم الوردية، وهو يرى أحلامه تتبخر مع كل عملية بيع.”
تتجاوز معاناة أطفال المخيمات مجرد فقدان التعليم، فالحرمان من أساسيات الحياة، كالمياه النظيفة والطعام الكافي، يجعل من كل لقمة طعام معركة يومية. لا يقتصر الدمار على الجسد، بل يتغلغل إلى النفس، مما يجعل القلق يتربص في قلوبهم، حيث تتعالى صرخات الخوف في ذاكرتهم كما لو كانت ذكرى مروعة لا تفارقهم، بحسب الطاهري.
وفي ظل كل هذه المعاناة، تأتي الحاجة إلى الحلول العاجلة كنسيمٍ ينفذ إلى هذا العالم القاسي. يتطلب الأمر تعزيز التعليم من خلال إنشاء مدارس مؤقتة، حيث يمكن للأطفال استعادة حقهم في التعلم. فتعليم أطفال اليوم هو استثمار في مستقبل الغد. كما يجب توفير الاحتياجات الأساسية، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، لضمان عدم معاناة الأطفال من الجوع والعطش.
ويرى الطاهري أن الدعم النفسي هو أحد العناصر الأكثر أهمية؛ إذ يحتاج هؤلاء الأطفال إلى مساحات آمنة يمكنهم فيها التعبير عن مشاعرهم والتعافي من الصدمات. مراكز الدعم النفسي قد تكون الأمل المفقود الذي يعيد إليهم الألوان في عالمهم الرمادي.
كما يجب أن نركز على تمكين الأسر من خلال توفير فرص العمل وتعليم المهارات، ليكونوا مستقلين وقادرين على إعالة أنفسهم، بعيدًا عن الحاجة إلى عمل الأطفال.
وواصل الطاهري :” وفي النهاية، فإن الوعي المجتمعي بشأن أهمية التعليم والحماية يعكس نبض الإنسانية. يجب على الجميع، حكومات ومنظمات مجتمع مدني وأفراد، أن يتحدوا في سبيل مصلحة هؤلاء الأطفال، لمنحهم الفرصة لتحقيق أحلامهم.
لأن أطفال اليوم هم قادة الغد، ولأن لكل منهم حق في حياة كريمة، لا تنطفئ شموع أحلامهم تحت ظل المعاناة، بل تفعيل الأمل هو ما يجلب النور إلى ظلام المخيمات.”
وفي سياق وضع الأطفال النازحين والمعاناة، علق مدير مكتب الإعلام في مديرية حيس الصحفي حسام بكري، إن ظاهرة عمالة الأطفال منتشرة بشكل كبير في بلادنا وتحديداً الحديدة، وقد تفاقمت منذ اندلاع الحرب عام 2014م، حيث فقدت العديد من العائلات أرباب أسرها، مما دفع الأطفال لتحمل المسؤولية مبكرًا بحثًا عن مصدر رزق يعين أسرهم على مواجهة الظروف القاسية.
وأضاف أن الطفل حسن بدر حدوش، الذي يدرس خلال النهار ثم يبيع الإرك (المساويك) بعد انتهاء دراسته، يجسد واقعًا مؤلمًا يعيشه آلاف الأطفال النازحين، الذين يجمعون بين التعليم والعمل القسري لضمان لقمة العيش.
وأشار الصحفي بكري إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة دفعت العديد من الأطفال إلى التسرب من التعليم والبحث عن أعمال شاقة، وهو أمر خطير قد يفتح الباب أمام الاستقطاب والانحراف والانجرار نحو أنشطة ضارة، مؤكدًا أن استمرار الحرب يزيد من تعقيد هذه الأزمة، ويحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية في التعليم والعيش بكرامة.
وأوضح بكري، أن الحل يكمن في توعية الأسر بأهمية حماية أطفالهم من سوق العمل القاسي، وتوفير بدائل اقتصادية تضمن لهم حياة مستقرة.
كما طالب السلطات والمنظمات الدولية المعنية بحماية الطفولة، وعلى رأسها اليونيسف، بضرورة توسيع برامج الدعم للأسر المتضررة عبر مشاريع تساهم في رفع مستوى دخلها، إلى جانب إطلاق مبادرات لحماية الأطفال خارج المدارس، تشمل برامج تعليمية وأنشطة مبتكرة تعيدهم إلى المسار التعليمي وتحميهم من مخاطر العمالة القسرية.