نساء عدن .. صرخة في الفراغ الرسمي

بقلم: د. هبة العيدروس

في مشهد يعكس عمق المعاناة الاجتماعية وتراكم الإحباط الشعبي، خرجت نساء عدن خلال الأسابيع الماضية خمس مرات اسبوعيًا في وقفات سلمية للتعبير عن مطالبهن المشروعة، وإيصال صوتهن إلى الحكومة اليمنية. إلا أن ما واجهنه لم يكن سوى جدارٍ من التجاهل الرسمي والصمت المريب، لا يليق بحكومة تدّعي أنها تمثل الشعب وتسعى إلى بناء مؤسسات دولة مدنية عادلة.

إن خروج النساء مرارًا وتكرارًا لم يكن بدافع الترف، بل نتيجة ضيق العيش وانسداد الأفق. فالرواتب الزهيدة التي يتقاضاها الموظفون لا تكفي لتغطية أبسط الاحتياجات المعيشية لأسرة مكونة من (3: 4) أفراد، في ظل ارتفاع متواصل لأسعار السلع والخدمات، وتراجع قيمة العملة المحلية بشكل خطير خلال الأيام القليلة الماضية. وما يزيد الطين بلة هو الفساد المستشري في كل مفصل من مفاصل الدولة، حتى بات المواطن وحده يدفع ثمن سوء الإدارة وتراكم الفشل.

وبالرغم من أن الوقفات اتسمت بالسلمية والرقي، وعكست عمق الوعي الحقوقي لدى المشاركات، إلا أن السلطات المحلية ممثلة بمحافظ عدن، والدولة ممثلة برئيس الحكومة، لم يُصدرا حتى الآن أي تصريح رسمي يعبّر عن الاستماع أو التفاعل مع هذه المطالب.

كما لم ينزل المحافظ لسماع صوت النساء المحتجات أو نقل رسائلهن إلى الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، في تجاهٍل تام للمسؤولية السياسية والأخلاقية المفترضة.

ويضاف إلى ذلك، الوضع الصحي المنهار الذي تشهده المدينة، نتيجة انتشار الحُمّيات والأمراض وتراكم القمامة، ناهيك عن ارتفاع عدد الوفيات لدى المواطنين ذوي الأمراض المزمنة، والمرتبطة بانقطاع المياه والكهرباء لوقت طويل دون إعلان لاحصائيات دقيقة خاصة بالعاصمة المؤقتة عدن، وغياب أي خطة طوارئ صحية وقائية. وفي هذا الإطار، تتحمل السلطات المحلية مسؤولية مباشرة في تنفيذ حملات شاملة لتجفيف منابع الحشرات الناقلة، وتوفير المياه بصورة يومية، ومعالجة مشكلات الصرف الصحي، وإزالة القمامة، وتنظيف الشوارع وفق آلية منتظمة تشمل جميع المديريات، باعتبار ذلك من أبسط مقومات الحفاظ على الصحة العامة والوقاية من الكوارث الوبائية، ونظافة البيئة.

والأخطر من كل هذا، ما تعرضت له النساء المشاركات من تضييق أمني ومضايقات تهدف إلى تقليص الفضاء المدني السلمي، وتقييد الحق في التجمهر والتعبير. هذه الانتهاكات لم تُقابل بأي رد مسؤول من الجهات المختصة، ولم يتم فتح أي تحقيق أو محاسبة، وكأن حقوق الإنسان لم تعد من أولويات الدولة، حتى في مناطق سيطرتها.

إن هذا التجاهل الرسمي لا يمكن فصله عن الانهيار المتواصل في الخدمات الأساسية، وانعدام الأمن، وتفشي البطالة، وعدم استقرار العملة، وغياب رؤية حكومية واضحة المعالم تضع المواطن في قلب اهتماماتها. بل إن الصمت أمام خروج النساء في عدن، وتجنب إصدار بيان رمزي، على الأقل، يحترم مطالبهن، يثير القلق بشأن مستقبل حرية التعبير والتجمهر السلمي في العاصمة المؤقتة.

يضمن الدستور اليمني، والمواثيق والعهود الدولية المصادقة عليها اليمن، للنساء، وأيضًا الرجال الحق في الاحتجاج والتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق دون خوف أو إقصاء. والتعامل مع أصوات النساء وكأنها غير موجودة، وعدم الرد أو التواصل، يكرّس الإقصاء ويضع علامات استفهام حول مدى جدية الحكومة في إحداث تغيير حقيقي.

لذلك، فإن على الحكومة – ممثلة برئيسها أن يبادر فوراً إلى إعلان برنامج عمل واضح وخطة طوارئ قابلة للتنفيذ خلال ال(100) يوم القادمة، تتناول بشكل محدد قضايا الخدمات، وتحسين الرواتب، ومكافحة الفساد، وإيقاف التدهور المتسارع للعملة، إلى جانب التدخل العاجل في الجانب الصحي.

لم يعد الصمتُ خياراً، والمماطلة لم تعد مقبولة، والاستجابة لمطالب المواطنات باتت أولوية لا تحتمل التأجيل.

فهل تعي الحكومة أن الصمت ليس حلاً؟ وهل تدرك أن احترام الحق في التجمهر السلمي يبدأ بالاستماع، لا بالإهمال؟.

لن يخرس صوت عدن ، وحقوق نسائها غير قابلة للتنازل أو التجاهل. وستستمر نساء عدن بالخروج إلى الشارع حتى تحقيق مطالبهن، ونطالب المحافظ ومدير أمن عدن بتوجيه أوامر واضحة بعدم التضييق والممارسات غير القانونية تجاه المشاركات، فنساء عدن لا يردن سوى حياة كريمة وكرامة مصونة .

د. هبة عيـدروس

خبيرة قانونية، وباحثة في قضايا المرأة، حريات التعبير، الجرائم الرقمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى