مقتطفات أدبية من كتاب “صالح للنشر” … للكاتب سعيد المحثوثي

رواها 360:
مهما اختلفت الهندسة في كل عمارة هنا في القاهرة، أو ارتفعت الأسقف، أو تسلّقت الحداثة الواجهة، ستجد هناك في الطابق الأرضي عين لا تنام إلا قليلاً..
في الوهلة الأولى تظنها مجرد عجوز تقضي يومها في تطفيف الخبز وقص النعناع، لكنها في الحقيقة تمتلك أرشيفاً حياً لأسرار سكان العمارة المكونة من 14 طابق، وجدول حضورهم وانصرافهم، وعدد زوارهم، ومن حمل كيساً، ومن عاد بدونه.
هي لا تتنصت على الآخرين الله المستعان.. الموضوع أبعد من ذلك.. هي فقط تطلّ مباشرة عندما يفتح باب العمارة، أو تصادف مرورك عند سلّة القمامة، أو تصحى بالصدفة على وقع خطاك في منتصف الليل.
ذات مساء عدتُ متأخرًا ، فسمعت سعالاً خفيفًا من الشباك الأرضي، تبعه سؤال خافت: تأخرت النهارده يا أستاز سعيد.. كل شيء تمام؟ وفي اليوم التالي زارني صديق من الخارج، وبعد نصف ساعة من خروجه، طرق بابي طفل صغير وقال: الحجه أم أحمد بتقول مين اللي كان عندك؟ ابتسمت وأدركت أن الحجه أم أحمد تطورت وأصبح عندها أحدث نظام مراقبة ذاتي.
أم أحمد ليست شريرة أبدًا ، تستقبلك أمام باب المصعد بوجه بشوش وتدعو لك بالصحة في كل صباح.. لكن ثق تماماً في كل مرة تفكر أن تمرّ دون أن تلاحظك، فهي ليست مجرد ساكنة في الطابق الأول فحسب.. إنها قسم الرصد والتحليل في هيئة ربة منزل يقع أسفل العمارة.
سعيد المحثوثي






