مقالة: عالمنا اليوم

د. أمين عبدالخالق العليمي:

في عالمنا اليوم، حيث تتسارع الأحداث ويتعاظم الضجيج، يُرفع التافه إلى القمم، ويُهمَّش العاقل على قارعة الطريق، الإعلام، الذي كان يوماً أداة لنقل الحقيقة وإنارة العقول، أصبح في كثير من الأحيان بوقاً يُضخّم التفاهة ويروّج للزيف، ليس لأن الحقائق انعدمت، بل لأن الجمهور يلهث وراء بريقٍ زائفٍ لا روح فيه،

السياسة لم تكن يوماً بمعزل عن هذا المشهد، بدلًا من أن تكون ساحةً للقيادات الحكيمة التي تبحث عن حلولٍ للأزمات، تحولت لدى البعض إلى لعبةٍ إعلامية، تتناقلها الشاشات وصفحات التواصل، حيث يُصنع السياسي في أستوديو أكثر مما يصنعه ميدان العمل، كم من قائدٍ مخلصٍ يعمل ليل نهار، يسعى لخدمة وطنه وشعبه، لكنه يواجه آلة إعلامية تُدار من خلف الستار، هدفها تشويه صورته وحجب إنجازاته، وعلى الجهة الأخرى، تُرفع صور المزيفين وأصحاب الشعارات الجوفاء، ليُقدَّموا للعامة كرموزٍ للبطولة الوهمية،

هذا الواقع ليس مجرد مصادفة، إنه انعكاسٌ لعالمٍ تسوده أهواء الناس وميولهم نحو السهل والمبهرج، بدلاً من الصعب والجوهري،

الجمهور، أو جزءٌ كبير منه، بات يستهلك الإعلام كما يستهلك الوجبات السريعة، يبحث عن الطعم السريع والتسلية الآنية، دون النظر إلى القيم أو المضمون،

لكن أين دورنا نحن؟ نحن الذين ندرك خطورة هذا العبث، ونعرف أن ما يُبنى على الزيف ينهار في أول اختبار،

مسؤوليتنا أن نعيد صياغة الأولويات، أن نعيد القيمة للكلمة الصادقة والصورة الحقيقية، وأن ندعم كل قائدٍ يعمل بجد وإخلاص، وفي كل ميدان، لا بالشعارات الفارغة، بل بالفعل الذي يغيّر الواقع،

الإعلام ليس عدواً، ولكنه سلاح، بيد من يحمل هذا السلاح؟ هنا السؤال الحقيقي، إذا أُوكل الأمر إلى من يبيعون المبادئ في سوق المصالح، فإن الحقيقة ستظل غائبة، وستبقى الصورة مشوهة، لكن إذا امتلك الإعلاميون الشرفاء والواعون زمام الأمور، سيصبح الإعلام أداة بناء، لا وسيلة هدم وتشويه،

في هذا الزمن، علينا أن نكون أكثر وعياً من أن ننجرَّ وراء كل صيحةٍ إعلامية أو كل حملةٍ سياسية تهدف إلى تضليلنا، علينا أن ندرك أن القائد الذي يُهاجم ليل نهار، ربما يكون هو من يحمل الأمانة، وأن من يُمجَّد بلا عمل، ربما يكون مجرد دمية تُحرَّك من بعيد لتحقيق أهدافٍ خفية،

فلنرفع شعار الوعي، ولنكن سنداً للحق وأهله، لن نسمح لأبواق الزيف أن تخطف أصواتنا، ولن ندع الصورة الإعلامية تصنع لنا واقعاً مزيفاً لا يعكس الحقيقة، ما زال في الأمة رجالٌ مخلصون، وما زالت الكلمة الصادقة قادرة على تغيير العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى