زواج الصغيرات الكارثة التي تحدق بالمجتمع

جميل الصامت:

ظاهرة زواج القاصرات تنتشر في أرياف مدينة تعز بشكل لافت، وما يثير الاهتمام أنها تجري في الخفاء، وهناك من يشرعنها من أشخاص غير مخوّلين. ولا تُثار إلا حينما تبرز واقعة معينة لسبب ما، فتُصبح حديث الناس في منتدياتهم الاجتماعية (مجالس القات)، مما يكشف عن حالات أخرى ومشكلات ناجمة عنها، لا تُعد ولا تُحصى، اجتماعية وصحية ونفسية.

شخصيًا، اعتذرت مرات عديدة وفي مناطق مختلفة عن المشاركة في احتفالات الخطوبة أو العقد وأحيانًا حتى الأعراس، بسبب أن الزيجات فيها لقاصرات، حتى لا أُحسب مشجعًا على الظاهرة، فأنا أرفضها وأساهم في نشر الوعي بمخاطرها وآثارها، حدّ التلويح باللجوء إلى الجهات الرسمية المعنية لوقف هذه الجرائم بحق الطفولة.

ورغم ذلك، لا تزال الظاهرة قائمة بفعل عوامل عديدة، على رأسها الفقر والثقافة المجتمعية، إضافة إلى التدين الزائف، وغياب الوعي حول مخاطرها.

خلال الأسبوع الفائت، انتهت حالة زواج في غضون أيام قلائل، بسبب أن العروس طفلة. وما يحزّ في النفس ألمًا وحزنًا، بكاء الطفلة العروس عند تجهيزها للزفاف، وفقًا لمصدر مقرب. الطفلة تركت منزل الزوجية وعادت إلى منزل أسرتها هربًا – بالمناسبة، العريس شاب صغير في العشرينات، حتى تكون الأمور واضحة – وحالتها النفسية متعبة.

الأطفال مكانهم الحدائق وساحات اللهو واللعب مع أقرانهم وفي كنف أمهاتهم، وليس كوشات الأفراح. هذا ما يمكن فهمه من هذه الحالة!

أطفال يُزفّون بناءً على رغبة أوليائهم، وهم ما زالوا في سن لا يسمح لهم بأن يصبحوا زوجات، ثم أمهات، ثم ربات بيوت. وهناك حالات كثيرة ما تزال آثار الزواج المبكر باقية، والاعتراف بها حقيقة ماثلة من بعض الآباء الذين يُبدون أسفهم متأخرًا، والمجتمع لا يخفي لَومه عادة.

جزء من المشكلة يكمن في أولئك الذين يمتهنون وظيفة ليسوا مخوّلين بها قانونًا، فيقومون بتزويج الأطفال دون النظر إلى الوثائق المطلوبة، ودون الالتزام بالمعايير القانونية التي تحدد السن القانونية للزواج، مكتفين بموافقة ولي الأمر الذي يجهل الكثير والكثير.

وتجري عملية التوثيق عادةً لـ”نثراتهم” عبر تزكية تلك العقود من آخرين مخوّلين أو موظفين في الجهات القضائية، وتمرّر عبر المحاكم التي تصادق عليها بعد التزكية بكل عِللها.

الأمناء الشرعيون – للأسف – لم أعهد تراجع أحدهم عن إتمام عقد زواج بسبب أن العروس قاصر. بل يُلاحظ استعدادهم للتعريف بأفعال غيرهم، دون النظر إلى سلامة الإجراءات.

ربّ قائل قد يطرح: “الناس مشغولون بالأوضاع المعيشية، وأنت تشغلنا بزواج القاصرات!”.. وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، ولكن الحالات التي وقفت عليها تستدعي التدخل لحماية الطفولة، عبر رفع مستوى الوعي حول مخاطر الظاهرة، وضرورة تحمّل مكتب الأوقاف دوره في توجيه الخطباء وعقد الورش التوعوية بهذا الشأن.

أما الجهات القضائية، فعليها تحمّل مسؤوليتها إزاء هذه الظاهرة، لحماية الطفولة ووقف الانتهاكات التي تتعرض لها، عبر الإسراع في إصدار تعليمات مشددة، واعتبار تزويج القاصرات باطلًا، لوقف الكارثة التي تهدد المجتمع.

أعرف أن هناك من سيتلقّف الموضوع ليُحرّفه عن مواضعه، ويوظّفه خارج سياقه، بعيدًا عن مقاصده، بهدف خلق زوبعة لتبرير استمرار الكارثة.

لكن تبقى للظاهرة مخاطر وآثار لا يمكن إنكارها.. ولن نبالغ إن قلنا إنها تشكل كارثة اجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى